للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السموات والأرض بوقت الساعة؛ كما قال: ﴿ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إلا بَغْتَةً﴾ أي ثقل علمها على أهل السموات والأرض.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا على [١] بن الجعد، حدثنا أبو جعفر الرازي، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة قالت: من زعم أنه يعلم -يعني النبي ما يكون في غد؛ فقد أعظم على الله القرية؛ لأن الله تعالى يقول: ﴿لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيبَ إلا اللَّهُ﴾ (١٩).

وقال قتادة: إن الله إنما جعل هذه النجوم لثلاث خصلات: جعلها زينة للسماء، وجعلها يهتدى بها، وجعلها رجومًا للشياطين، فمن تعاطى فيها غير ذلك فقد قال برأيه، وأخطأ حظه، وأضاع نصيبه، وتكلف ما لا علم له به. وإن ناسًا جَهَلَة بأمر الله، قد أحدثوا من هذه النجوم كهانة: من أعْرَس بنجم كذا وكذا، كان كذا وكذا، ومن سافر بنجم كذا وكذا، كان كذا وكذا، ومن ولد بنجم كذا وكذا، كان كذا وكذا، ولعمري، ما من نجم إلا ولد به الأحمر والأسود، والقصير والطويل، والحسن والذميم، وما علم هذا النجم، وهذه الدابة، وهذا الطير- بشيء من الغيب! وقضى الله: أنه لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيبَ إلا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ.

رواه ابن أبي حاتم عنه بحروفه، وهو كلام جيل متين صحيح.

وقوله: ﴿بَلِ ادَّارَكَ [٢] عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا﴾ أي: انتهى علمهم وعجز عن معرفة وقتها.

وقرأ آخرون: ﴿بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ﴾ (*) أي: تساوى علمهم في ذلك، كما في الصحيح لمسلم: أن رسول الله قال لجبريل -وقد سأله عن وقت الساعة-: (ما المسئول عنها بأعلم من السائل" (٢٠) أي: تساوى في العجز عن درك ذلك علم المسئول والسائل.

قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: ﴿بَلِ ادَّارَكَ (**) عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ﴾، أي:


(١٩) هو عند مسلم في حديث طويل برقم (١١٧) كتاب الإيمان، والترمذي في التفسير (٣٠٦٨).
(٢٠) صحيح مسلم، كتاب الإيمان حديث (٨).