للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله تعالى: ﴿وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ﴾، أي: يخلفُ قرنًا [١] لقرن قبلهم، وخَلَفًا [٢] لسلف؛ كما قال تعالى: ﴿إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ﴾، وقال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ﴾، وقال تعالى: ﴿وَإِذْ قَال رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾، أي: قومًا لخلف بعضهبم بعضًا كما قدمنا تقريره. وهكذا هذه الآية: ﴿وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ﴾ أي: أمة بعد أمة، وجيلًا بعد جيل، وقومًا بعد قوم. ولو شاء لأوجدهم كلهم في وقت واحد، ولم يجعل بعضهم من ذرية بعض، بل لو شاء لخلقهم كلهم أجمعين، كما خلق آدم من تراب. ولو شاء أن يجعلهم [بعضَهم من ذرية بعض] [٣]، ولكن لا يميت أحدًا حتى تكون وفاة الجميع في وقت واحد، فكانت تضيق عليهم الأرض، وتضيق عليهم معايشهم وأكسابهم، ويتضرر بعضهم ببعض، ولكن اقتضت حكمته وقدرته أن يخلقهم من نفس واحدة، ثم كثرهم غاية الكثرة، ويذرؤهم في الأرض، ويجعلهم قرونًا بعد قرون، وأممًا بعد أم، حتى ينقضي الأجل وتفرغ البشرية [٤]، كما قدر ذلك ، وكما أحصاهم وعَدّهم عَدًّا، ثم يقيم القيامة، ويُوفي كل عامل عمله إذا بلغ الكتاب أجله؛ ولهذا قال تعالى: ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ﴾، أي: يقدر على ذلك، أو: أإله مع الله يُعبَد، وقد علم أن الله هو المنفرد [٥] بفعل ذلك ﴿قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ﴾ أي ما أقل تذكرهم فيما يرشدهم [إلى الحق] [٦] ويهديهم إلى الصراط المستقيم.

﴿أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَينَ يَدَي رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٦٣)

يقول: ﴿أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾ أي: بما خلق من الدلائل السماوية والأرضية، كما قال: ﴿وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ﴾ وقال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾ الآية.

وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا [٧] بَينَ يَدَي رَحْمَتِهِ﴾، أي: بين يدي السحاب الذي فيه مطر، يغيث به عباده المجديين الأزِلين القنطين ﴿أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾.


[١]- في ز: "قرن".
[٢]- في ز: "خلف".
[٣]- في خ، ز: "من ذرية بعضهم بعضًا".
[٤]- في ت: "البرية".
[٥]- في ت: "المتفرد".
[٦]- في ت: "للحق".
[٧]- في ز: "نشرًا".