بحسب ما يحتاجون إليه، ﴿وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ﴾ أي: جبًالا شامخة ترسى الأرض وتثبتها لئلا تميد بكم، ﴿وَجَعَلَ بَينَ الْبَحْرَينِ حَاجِزًا﴾، أي: جعل بين المياه العذبة والمالحة حاجزًا، أي: مانعًا يمنعها من الاختلاط، لئلا يفسد هذا بهذا، وهذا بهذا، فإن الحكمة الإلهية تقتضي بقاء كل منهما على صفته المقصودة منه، فإن البحر الحلو هو هذه الأنهار السارحة الجارية بين الناس، والقصود منها أن تكون عذبة زلالًا تسقي الحيوان والنبات والثمار منها؛ والبحار المالحة هي المحيطة بالأرجاء والأقطار من كل جانب، والمقصود منها أن يكون ماؤها ملحًا أجاجًا، لئلا يفسد الهواء بريحها، كما قال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَينِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَينَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا﴾؛ ولهذا قال: ﴿أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ﴾: فعل هذا [وبعد][١]، هذا على القول [٢] الآخر، وكلاهما متلازم صحيح. ﴿بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾، أي [٣]: في عبادتهم غيره.
ينبه تعالى أنه هو [٤] المدعُوّ عند الشدائد، المرجُوّ عند النوازل، كما قال: ﴿وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إلا إِيَّاهُ﴾، وقال تعالى: ﴿ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيهِ تَجْأَرُونَ﴾ وهكذا قال هاهنا: ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ﴾، أي: من هو الذي لا يلجأ المضطر إلا إليه، والذي لا يكشف ضر المضرورين سواه.
قال الإمام أحمد (١٥): حدثنا عفان، حدثنا وُهَيب، حدثنا خالد الحَذاء، عن أبي تميمة الهُجَيمي، عن رجل من بلهجيم، قال: قلت: يا رسول الله، إلام تدعو؟ قال:"أدعو إلى الله وحده، الذي إن مَسّك ضر فدعوته كشف عنك، والذي إن أضْلَلْتَ بأرض قَفْرٍ فدعوتَه ردّ عليك، والذي إن أصابتك سَنة فدعوته أنبتَ لك". قال: قلت: أوصني، قال:"لا تسبنّ أحدًا، ولا تزْهَدَن في المعروف، ولو أن تلقى [٥] أخاك وأنت منبسط إليه وجهك، ولو أن تُفرغَ من دَلوك في إناء المستقي، واتّزر إلى نصف الساق، فإن أبيت فإلى الكعبين. وإياك وإسبال الإزار، فإن إسبال الإزار من المخيلة، [وإن الله ﵎ لا يحب المخيلة][٦] ".