للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن المفسرين من يقول: معنى قوله: ﴿أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ﴾ [أي: أإله مع الله] [١] فعل هذا؟! وهو يرجع إلى معنى الأول، لأن تقدير الجواب أنهم يقولون: ليس ثَمّ أحد فعل هذا معه، بل هو المتفرد به. فيقال: فكيف تعبدون معه غيره، وهو المستقل المتفرد بالخلق والتدبير؟ كما قال: ﴿أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ﴾ وقوله هاهنا: ﴿أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾، ﴿أَمَّنْ﴾ [أمَّن] [٢] في هذه الآيات تقديره: أمّن يفعل هذه الأشياء كمن لا يقدر على شيء منها؟ هذا معنى السياق وإن لم يذكر الآخر؛ لأن في قوة الكلام ما يرشد إلي ذلك، وقد قال: ﴿آللَّهُ خَيرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ ثم قال في آخر الآية: ﴿بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ﴾، أي: يجعلون لله عدلًا و [٣] نظيرًا، وهكذا قال تعالى: ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ﴾، أي: [أمن هو هكذا كمن ليس كذلك] [٤]؟ ولهذا قال: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾، ﴿أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾، وقال: ﴿أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ﴾ أي: أمن هو شهيد على أفعال الخلق، حركاتهم وسكناتهم، يعلم الغيب جليله وحقيره، كمن هو لا يعلم، ولا يسمع، ولا يبصر من هذه الأصنام التي عبدوها؟ ولهذا قال: ﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ﴾، وهكذا هذه الآيات الكريمات كلها.

﴿أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَينَ الْبَحْرَينِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (٦١)

يقول: ﴿أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا﴾ أي: قارة ساكنة ثابتة، لا تميد ولا تتحرك بأهلها ولا [٥] ترجف بهم، فإنها لو كانت كذلك لما طاب عليها العيش والحياة، بل جعلها من فضله ورحمته مهادًا بساطا ثابتة لا تتزلزل ولا تتحرك، كما قال في الآية الأخرى: ﴿اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً﴾.

﴿وَجَعَلَ خِلَالهَا أَنْهَارًا﴾، أي: جعل فيها الأنهار العذبة الطيبة تشقها في خلالها، وصرفها فيها ما بين أنهار كبار وصغار وبين ذلك، وسيرها شرقا وغربًا وجنوبًا وشمًالا، بحسب مصالح عباده في أقاليمهم وأقطارهم، حيث ذرأهم من [٦] أرجاء الأرض، سيّر إليهم [٧] أرزاقهم


[١]- ما بين المعكوفتين سقط من: ز.
[٢]- ما بين المعكوفتين سقط من: ت.
[٣]- سقط من: ز، خ.
[٤]- في ز، خ: "ليس هو هكذا كمن ليس كذلك".
[٥]- سقط من: ز، خ.
[٦]- في ت: "في".
[٧]- في ت: "لهم".