ولا منافاة، فإنهم إذا كانوا من [عباده][١] الذين اصطفي، فالأنبياء بطريق الأولى والأحرى، والقصد أن اللَّه تعالى أمر رسوله ومن اتبعه بعد ما ذكر لهم ما فعل بأوليائه من النجاة والنصر والتأييد، وما أحل بأعدائه من الخزي والنكال والقهر- أن يحمدوه على جميل [٢] أفعاله، وأن يسلموا على عباده المصطفين الأخيار.
وقد قال أبو بكر البزار (١٤): حدثنا محمد بن عمارة بن صبيح، حدثنا طلق بن غنام، حدثنا الحكم بن ظهير، عن السدي -إن شاء الله- عن أبي مالك، عن ابن عباس: ﴿وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى﴾، قال: هم أصحاب محمد ﷺ، اصطفاهم اللَّه لنبيه ﵃.
قوله: ﴿آللَّهُ خَيرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ استفهامُ إنكار على المشركين في عبادتهم مع الله آلهة أخرى، ثم شرع [تعالى يبين أنه المتفرد][٣] بالخلق والرزق والتدبير دون غيره، فقال: ﴿أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾ أي: تلك السنوات [٤] بارتفاعها وصفائها، وما جعل فيها من الكواكب النيرة، والنجوم الزاهرة، والأفلاك الدائرة، والأرض باستفالها وكثافتها، وما جعل فيها من الجبال والأوعار والسهول، والفيافي والقفار، والأشجار والزروع، والثمار والبحور، والحيوان على اختلاف الأصناف والأشكال والألوان وغير ذلك.
وقوله: ﴿وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً﴾ أي: جعله رزقًا للعباد، ﴿فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ﴾، أي: بساتين ﴿ذَاتَ بَهْجَةٍ﴾، أي: منظر حسن وشكل بهي [٥]، ﴿مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا﴾، أي: لم تكونوا تقدرون على إنبات شجرها، وإنما يقدر على ذلك الخالق الرازق، المستقل بذلك المنفرد به دون ما سواه من الأصنام والأنداد، كما يعترف به هؤلاء المشركون، كما قال تعالى في الآية الأخرى: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ أي: هم معترفون بأنه الفاعل لجميع ذلك وحده لا شريك له، ثم هم يعبدون معه غيره مما يعترفون أنه لا يخلق ولا وزق، وإنما يستحق أن يُفرَد بالعبادة مَنْ هو المتفرد بالخلق والرزق، ولهذا قال: ﴿أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ﴾، أي: أإله مع الله يعبد؟! وقد تبين لكم ولكل ذي لب مما يعرفون به أيضًا- أنه الخالق الرازق؟
(١٤) مسند البزار حديث (٢٢٤٣) "كشف الأستار"، وقال الهيثمي في المجمع (٧/ ٨٧): "وفيه الحكم بن ظهير، وهو متروك".