قال مجاهد، وسعيد بن جبير، ومحمد بن إسحاق، وزهير بن محمد، وغيرهم؛ لما دعا الله ﷿، وسأله أن يأتيه بعرش بلقيس - وكان في اليمن، وسليمان ﵇ ببيت المقدس - غاب السرير، وغاص في الأرض، ثم نبع من بين يديّ سليمان ﵇.
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، لم يشعر سليمان إلَّا وعرشها يحمل بين يديه. قال: وكان هذا الذي جاء به من عُبَّاد البحر، فلما عاين سليمان ومَلَؤه ذلك، ورآه مستقرًّا عنده، ﴿قَال هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي﴾، أي: هذا من نعم الله علي، ﴿لِيَبْلُوَنِي﴾، أي: ليختبرني ﴿أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ﴾، كقوله: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيهَا﴾ وقوله: ﴿عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ﴾.
وقوله: ﴿وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ﴾، أي: هو غني عن العباد وعبادتهم، ﴿كَرِيمٌ﴾، أي: كريم في نفسه، وإن لم يعبده أحد، فإن عظمته ليست مفتقرة إلى أحد، وهذا كما قال موسى: ﴿وَقَال مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾.
وفي صحيح مسلم:"يقول الله تعالى: يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم، كانوا على أتقى قلب رجل منكم، ما زاد ذلك في ملكي شيئًا، يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم، كانوا على أفجر قلب رجل منكم، ما نقص ذلك من ملكي شيئًا، يا عبادي، إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، [ثم أوفيكم إياها][١] فمن وجد خيرًا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلَّا نفسه"(١٠).