للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقيل: بل جعلت الجارية تغسل باطن زندها قبل ظاهره، والغلام بالعكس.

وقيل: بل جعلت الجواري يغتسلن من أكفهن إلى مرافقهن، والغلمان من مرافقهم إلى أكفهم. ولا منافاة بين ذلك كله، والله أعلم.

وذكر بعضهم: أنَّها أرسلت إليه بقدح ليملأه ماء رواء [١]، لا من السماء ولا من الأرض، فأجرى الخيل حتَّى عرقت، ثم ملأه من ذلك. وبخرزة وسلك فيجعله [٢] فيها، ففعل ذلك. والله أعلم أكان ذلك أم لا، وأكثره مأخوذ من الإِسرائيليات، والظاهر أن سليمان لم ينظر إلى ما جاءوا به بالكلية، ولا اعتنى به، بل أعرض عنه، وقال منكرًا عليهم؛ ﴿أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ﴾ أي: أتصانعونني بمال لأترككم على شرككم وملككم؟! ﴿فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيرٌ مِمَّا آتَاكُمْ﴾ أي: الذي أعطاني الله من الملك والمال والجنود - خيرٌ مما أنتم فيه، ﴿بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ﴾، أي: أنتم الذين تنقادون للهدايا والتحف، وأما أنا فلا أقبل منكم إلَّا الإِسلام أو السيف.

قال الأعمش، عن المنهاج بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبَّاس : أمر سليمانُ الشياطينَ فموّهوا له ألف قصر من ذهب وفضة. فلما رأت رسلُها ذلك قالوا: ما يصنع هذا بهديتنا وفي هذا دلالة على [جواز تهيؤ] [٣] الملوك وإظهارهم الزينة للرسل والقصاد.

﴿ارْجِعْ إِلَيهِمْ﴾ أي: بهديتهم، ﴿فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا﴾، أي: لا طاقة لهم بقتالهم، ﴿وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً﴾، أي: من بلدهم ﴿أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾، أي: مهانون مدحورون.

فلما رجعت إليها رسلُها بهديتها، وبما قال سليمان، سمعت وأطاعت هي وقومها، وأقبلت تسير إليه في جنودها خاضعة ذليلة، معظمة لسليمان، ناوية متابعته في الإِسلام، ولما تحقق سليمان قدومهم عليه، ووفودهم إليه، فرح بذلك وسَرَّه.

﴿قَال يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (٣٨) قَال عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيهِ لَقَويٌّ أَمِينٌ (٣٩) قَال الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا


[١]- في ز، خ: "دواء".
[٢]- في ت: "ليجعله".
[٣]- في ز، خ: "نهي جواز".