للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وجيوشه، وما سُخَّر له من الجن والإنس والطير، وقد شاهَدَت من قضية الكتاب مع الهدهد أمرًا عجيبًا بديعًا، فقالت لهم: إني أخشى أن نحاربه ونمتنع عليه، فيقصدنا بجنوده، ويهلكنا بمن معه، ويخلص إليَّ وإليكم الهلاك والدمار دون غيرنا، ولهذا قالت: ﴿قَالتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا﴾.

قال ابن عبَّاس: أي: إذا دخلوا بلدًا عنوة أفسدوه، أي: خَرَّبوه، ﴿وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا [١] أَذِلَّةً﴾، أي: وقصدوا من فيها من الولاة والجنود، فأهانوهم غاية الهوان، إما بالقتل أو بالأسر.

قال ابن عبَّاس: قالت بلقيس: ﴿قَالتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً﴾، قال الرب ﷿: ﴿وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ﴾.

ثم عدلت إلى المهادنة والمصالحة والمسالمة والخادعة والمصانعة، فقالت: ﴿وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ﴾ أي: سأبعث إليه بهدية تليق به، وأنظر ماذا يكون جوابه بعد ذلك، فلعله يقبل ذلك ويكف عنا، أو يضرب علينا خَرَاجًا نحمله إليه في كل عام، ونلتزم له بذلك ويترك [٢] قتالنا ومحاربتنا. قال قتادة: رحمها الله ورضي عنها، ما كان أعقَلَهَا في إسلامها وفي شركِهَا!! علمت أن الهدية تقع موقعًا من الناس.

[وقال] [٣] ابن عبَّاس وغير واحد: قالت لقومها: إن قَبِلَ الهدية فهو ملك فقاتلوه، وإن لم يقبلها فهو نبي فاتبعوه.

﴿فَلَمَّا جَاءَ سُلَيمَانَ قَال أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (٣٦) ارْجِعْ إِلَيهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ (٣٧)

ذكر غير واحد من المفسرين، من السلف وغيرهم: أنَّها بعثت إليه بهدية عظيمة من ذهب وجواهر ولآلئ وغير ذلك. وقال بعضهم: أرسلت إليه بلَبنَة من ذهب، والصحيح أنَّها أرسلت إليه [٤] بآنية من ذهب. قال مجاهد، وسعيد بن جبير، وغيرهما: وأرسلت جواري في زيّ الغلمان، وغلمان في زيّ الجواري، وقالت: إن عرف هؤلاء من هؤلاء فهو نبيّ. قالوا: فأمرهم أن يتوضئوا، فجعلت الجارية تُفرغ على يدها من الماء، وجعل الغلام يغترف، فميزهم بذلك.


[١]- في ز: "أهله".
[٢]- في ز، خ: "نترك".
[٣]- في ت: "قال".
[٤]- سقط من: ت.