للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (٤) إلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥)

هذه الآية الكريمة فيها بيان حكم جلد القاذف للمحصنة، وهي الحرة البالغة العفيفة، فإذا كان المقذوف رجلًا فكذلك يجلد قاذفه أيضًا، وليس في هذا نزاع بين العلماء، فأما إن أقام القاذف بينة على صحة ما قاله رُدَّ [١] عنه الحد؛ ولهذا قال تعالى ﴿ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ فأوجب على القاذف إذا لم يقم بينة [٢] على صحة ما قاله [٣] ثلاثة أحكام: (أحدها) أن يجلد ثمانين جلدة، (الثاني) أنه تردّ شهادته دائمًا [٤]، (الثالث) أن يكون فاسقًا ليس بعدل، لا عند الله ولا عند الناس، ثم قال تعالى: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا [فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ] [٥]﴾. واختلف [٦] العلماء في هذا الاستثناء، هل يعود إلى الجملة الأخيرة فقط؛ فترفع التوبةُ الفسقَ فقط، ويبقى مردود الشهادة دائمًا وإن تاب، أو يعود إلى الجملتين الثانية والثالثة؟ وأما [٧] الجلد: فقد ذهب وانقضى، سواء تاب أو أصر، ولا حكم له بعد ذلك بلا خلاف، فذهب الإمام مالك والشافعي وأحمد بن حنبل إلى أنه إذا تاب قبلت شهادته، وارتفع عنه حكم الفسق، ونص عليه سعيد بن المسيب سيد التابعين، وجماعة من السلف أيضًا، وقال الإِمام أبو حنيفة: إنما يعود الاستثناء إلى الجملة الأخيرة فقط، فيرتفع الفسق بالتوبة ويبقى مردود الشهادة أبدًا، وممن ذهب إليه من السلف: القاضي شريح وإبراهيم النخعي وسعيد بن جبير ومكحول وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر. وقال الشعبي والضحاك: لا تقبل [شهادته وإن تاب إلا أن يعترف على نفسه بأنه [٨] قد قال البهتان، فحينئذ تقبل] [٩] شهادته والله أعلم.

﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إلا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (٦) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ


[١]- في خ: "درأ".
[٢]- في خ: "البينة".
[٣]- في خ: "قال".
[٤]- في ت: "أبدًا".
[٥]- ما بين المعكوفتين في ت: "الآية".
[٦]- سقط من: ز.
[٧]- سقط من: ز.
[٨]- في ت: "أنه".
[٩]- ما بين المعكوفتين سقط من: خ.