ولدها وتأخذ أجرها". وقال تعالى هاهنا ﴿فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَي تَقَرَّ عَينُهَا وَلَا تَحْزَنَ﴾ أي: عليك. ﴿وَقَتَلْتَ نَفْسًا﴾ يعني: القبطي ﴿فَنَجَّينَاكَ مِنَ الْغَمِّ﴾ وهو ما حصل له بسبب عزم آل فرعون [علي قتله][١]، ففر منهم هاربًا حتى ورد ماء مدين، وقال له ذلك الرجل الصالح: ﴿لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾.
وقوله: ﴿وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا﴾ قال الإِمام أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي ﵀ في كتاب التفسير من سننه (٤٠): قوله: ﴿وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا﴾: حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا يزيد بن هارون، أنبأنا أصبغ بن زيد، حدثنا القاسم بن أبي أيوب، أخبرني سعيد بن جبير قال: سألت عبد الله بن عباس عن قول الله-﷿ لموسى ﵇: ﴿وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا﴾، فسألته عن الفتون: ما هو؟ فقال: استأنف النهار با ابن جبير، فإن لها حديثًا طويلًا. فلما أصبحت غدوت إلى ابن عباس؛ لأنتجز منه ما وعدني من حديث الفنون، فقال: تذاكر فرعون وجلساؤه ما كان الله وعد إبراهيم ﵇ أن يجعل في ذريته أنبياء وملوكًا. فقال بعضهم: إن بني إسرائيل ينتظرون ذلك ما يشكون فيه، وكانوا يظنون أنه يوسف بن يعقوب، فلما هلك قالوا: ليس هكذا كان وعد إبراهيم. فقال فرعون: فكيف ترون؟ فأمروا وأجمعوا أمرهم على أن يبعث رجالًا معهم الشفار، يطوفون في بني إسرائيل، فلا يجدون مولودًا ذكرًا إلا ذبحوه.
ففعلوا ذلك، فلما رأوا أن الكبار من بني إسرائيل يموتون بآجالهم، والصغار يذبحون، قالوا: يوشك أن تفنوا بني إسرائيل، فتصيروا أن تباشروا من الأعمال والخدمة التي كانوا يكفونكم، فاقتلوا عامًا كل مولود ذكر، فيقل أبناؤهم، ودعوا عامًا فلا تقتلوا منهم أحدًا، فيشب الصغار مكان من يموت من الكبار، فإنهم لن [٢] يكثروا بمن تستحيون منهم فتخافوا مكاثرتهم إياكم، ولن يفنوا بمن تقتلون وتحتاجون إليهم. فأجمعوا أمرهم على ذلك.
فحملت أم موسى بهارون في العام الذي لا يذبح فيه الغلمان، فولدته علانية آمنة، فلما كان من قابل حملت بموسى ﵇ فوقع في قلبها الهم والحزن -وذلك من الفتون يا بن جبير- ما دخل عليه في بطن أمه مما يراد به، فأوحى الله إليها: ﴿وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٧)﴾ فأمرها إذا ولدت أن تجعله في
(٤٠) - رجاله ثقات، أخرجه النسائي كتاب التفسير من الكبرى، باب: قوله ﷿: ﴿وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا﴾، حديث (١٣٢٦)، (٦/ ٣٩٦: ٤٠٦). وأخرجه أبو يعلى (٥ / ح ٢٦١٨). وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (٧/ ٦٥ - ٦٦) وقال: رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح، غير أصبغ بن زيد والقاسم بن أيوب وهما ثقتان.