للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بحبل، فذهبت مرة لتربطه، فانفلت منها وذهب به البحر، فحصل لها من الغم والهم ما ذكره الله عنها في قوله: ﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا﴾ فذهب به البحر إلى دار فرعون ﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا﴾ أي قدرًا مقدورًا من الله، حيث كانوا هم [١] يقتلون الغلمان من بني إسرائيل، حذرًا من وجود موسى، فحكم الله - وله السلطان العظيم والقدرة التامة - أن لا [٢] يربَّى إلَّا على فراش فرعون، ويغذى بطعامه وشرابه، مع محبته وزوجته له، ولهذا قال تعالى: ﴿يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيتُ عَلَيكَ مَحَبَّةً﴾ أي: عند عدوك، جعلته يحبك.

قال سلمة بن كهيل (٣٩): ﴿وَأَلْقَيتُ عَلَيكَ مَحَبَّةً مِنِّي﴾ قال،] [٣]: حببتك إلى عبادي.

﴿وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَينِي﴾ قال أَبو عمران الجوني: تربى بعين الله.

وقال قتادة: تغذى على عيني.

وقال معمر بن المثنى: ﴿وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَينِي﴾ حيث [٤] أرى.

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: يعني أجعله في بيت الملك، ينعم ويترف، غذاؤه عندهم غذاء الملك، فتلك الصنعة.

وقوله: ﴿إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَي تَقَرَّ عَينُهَا﴾ وذلك أنَّه لما استقر عند آل فرعون، عرضوا عليه المراضع فأباها، قال الله تعالى: ﴿وَحَرَّمْنَا عَلَيهِ الْمَرَاضِعَ﴾ فجاءت أخته وقالت: ﴿هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ﴾ تعني: هل أدلكم على من ترضعه لكم بالأجرة؟ فذهبت به وهم معها إلى أمه، فعرضت عليه ثديها فقبله، ففرحوا بذلك فرحًا شديدًا، واستأجروها على إرضاعه، فنالها بسببه سعادة ورفعة وراحة في الدنيا، وفي الآخرة أغنم وأجزل، ولهذا جاء في الحديث: "مثل الصانع الذي يحتسب في صنعته الخير [٥] كمثل أم موسى ترضع


(٣٩) - أخرجه الطبري في "تفسيره": (١٦/ ١٦١ - ١٦٢)، وذكره السيوطي في "الدر المنثور": (٤/ ٥٢٩) وعزاه إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم.