للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عنه- والبيهقي عن شداد بن أوس (٦٨) أن ذلك ببيت لحم، فالله أعلم.

وهذا هو المشهور الذي تلقاه الناس بعضهم عن بعض، ولا تشك فيه النصارى: أنه ببيت لحم، وقد [١] تلقاه الناس، وقد ورد به الحديث إن صح.

وقوله تعالى إخبارًا عنها: ﴿قَالتْ يَاليتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا﴾ - فيه دليل علي جواز تمني الموت عند الفتنة، فإنها عرفت أنها ستبتلي وتمتحن بهذا المولود، الذي لا يحمل الناس أمرها فيه علي السداد، ولا يصدقونها في خبرها، وبعد ما كانت عندهم عابدة ناسكة، تصبح عندهم -فيما يظنون- عاهرة زانية، فقالت: ﴿يَاليتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا﴾ أي: قبل هذا الحال أي: لم أخلق ولم أك شيئًا. قاله ابن عباس (٦٩).

وقال السدي (٧٠): قالت وهي تطلق من الحبَل استحياء من الناس: ياليتني مت قبل هذا الكرب، الذي أنا فيه، والحزن بولادتي المولود من غير بعل. ﴿وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا﴾ نُسي فترك طلبه، كخرق الحيض التي [٢] إذا ألقيت وطرحت لم تطلب ولم تذكر [٣]. وكذلك [٤] كل شيء نسى وترك فهو نَسْيٌ. وقال قتادة: ﴿وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا﴾ أي: شيئًا لا يعرف [٥] ولا يذكر ولا يدرى من أنا.

وقال الربيع بن أنس (٧١): ﴿وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا﴾: وهو السقط.

وقال ابن زيد (٧٢): لم أكن شيئًا قط.

وقد قدمنا الأحاديث الدالة علي النهي عن تمني الموت إلا عند الفتنة، عند قوله:


(٦٨) - أخرجه البيهقي في "دلائل النبوة" (٢/ ٣٥٦). وطرفه: "قلنا: يا رسول الله كيف أسرى بك؟ قال: صليت لأصحابي صلاة العتمة بمكة" الحديث وقد تقدم بتمامه في سورة الإسراء.
(٦٩) - أخرجه الطبري (١٦/ ٦٦)، وذكره السيوطي في الدر المنثور (٤/ ٤٨١) وعزاه إلى ابن المنذر.
(٧٠) - أخرجه الطبري (١٦/ ٦٦).
(٧١) - أخرجه الطبري (١٦/ ٦٧)، وعزاه السيوطي (٤/ ٤٨٢) إلى عبد بن حميد، وابن أبي حاتم.
(٧٢) - أخرجه الطبري (١٦/ ٦٧).