للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال عكرمة: كان منهم طائفة قد قالوا: تبعث الأرواح ولا تبعث الأجساد. فبعث اللَّه أهل الكهف حجة ودلالة وآية على ذلك.

وذكروا أنه لما أراد أحدهم الخروج ليذهب إلى المدينة في شراء شيء لهم ليأكلوه تنكر وخرج يمشي في غير الجادة حتى انتهى إلى المدينة، وذكروا أن اسمها دقسوس، وهو يظن أنه قريب العهد بها [١]، وكان الناس قد تبدلوا قرنًا بعد قرن، وجيلًا بعد جيل، وأمة بعد أمة، وتغيرت البلاد ومن عليها كما قال الشاعر:

أما الديار فإنها كديارهم … وأرى رجال الحي غير رجاله

فجعل لا يرى شيئًا من معالم البلد التي يعرفها، ولا يعرف أحدًا من أهلها: لا [٢] خواصها ولا عوامها، فجعل يتحير في نفسه ويقول: لعل بي جنونًا [٣]، أو مسَّا [٤]، أو أنا حالم، ويقول: واللَّه ما بي شيء من ذلك، وإن عهدي بهذه البلدة عشية أمس على غير هذه الصفة، ثم قال: إن تعجيل الخروج من هاهنا لأولى لي. ثم عمد إلى رجل ممن يبيع الطعام فدفع إليه ما معه من النفقة، وسأل أن يبيعه بها طعامًا، فلما رآها ذلك الرجل أنكرها وأنكر ضَرْبها، فدفعها إلى جاره، وجعلوا يتداولونها بينهم ويقولون: لعل هذا قد وجد كنزًا. فسألوه عن أمره، ومن أين له هذه النفقة؟ لعله وجدها من كنز، ومن أنت؟ فجعل يقول: أنا من أهل هذه المدينة، وعهدي بها عشية أمس وفيها دقيانوس. فنسبوه إلى الجنون، فحملوه إلى وليّ أمرهم، فسأله عن شأنه وعن أمره، حتى أخبرهم بأمره - وهو متحير في حاله وما هو فيه - فلما أعلمهم كذلك قاموا معه إلى الكهف - مُتَوَلًى البلد وأهلها - حتى انتهى بهم إلى الكهف فقال: دعوني حتى أتقدمكم في الدخول لأعلم أصحابي، فيقال: إنهم لا يدرون كيف ذهب فيه، وأخفى اللَّه عليهم خبره، ويقال: بل دخلوا عليهم، ورأوهم وسلم عليهم الملك واعتنقهم، وكان مسلمًا فيما قيل واسمه تيدوسيس [٥]، ففرحوا به وآنسوه [٦] الكلام، ثم ودعوه وسلموا عليه، وعادوا إلى مضاجعهم، وتوفاهم اللَّه ﷿، فاللَّه أعلم.

قال قتادة: وغزا ابن عباس مع حبيب بن مسلمة، فمروا بكهف في بلاد الروم فرأوا فيه عظامًا، فقال قائل: هذه عظام أصحاب [٧] الكهف. فقال ابن عباس: لقد بليت عظامهم


[١]- سقط من: ز.
[٢]- في ز: "ولا".
[٣]- في ز، خ: "جنون".
[٤]- في ز: "مس"، خ: "شره".
[٥]- في ز: "تبدوسيس".
[٦]- في ز: "ووانسوني".
[٧]- في ت: "أهل".