للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم عدلوا إلى الأهم في أمرهم إذ ذاك وهو احتياجهم إلى الطعام والشراب، فقالوا: ﴿فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ﴾، أي: فضتكم هذه، وذلك أنهم كانوا قد استصحبوا معهم دراهم من [١] منازلهم لحاجتهم إليها، فتصدقوا منها وبقي منها؛ فلهذا قالوا: ﴿فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ﴾، أي: مدينتكم التي خرجتم منها، والألف واللام للعهد.

﴿فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا﴾، أي: أطيب طعامًا، كقوله: ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا﴾، وقوله: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى﴾ ومنه الزكاة التي تُطَيّب المال وتطهره. وقيل: أكثر طعامًا، ومنه: زكا الزرع، إذا كثر، قال الشاعر:

قبائلنا سَبْعٌ وأنتم ثلاثةٌ … وللسَّبْعُ أزْكى من ثلاث وأطيبُ

والصحيح الأول؛ لأن مقصودهم إنما هو الطيب الحلال، سواء كان قليلًا أو كثيرًا. وقوله: ﴿وَلْيَتَلَطَّفْ﴾، أي: في خروجه وذهابه وشرائه وإيابه، يقولون: وَلْيَتَخَفّ [٢]: كل ما يقدر عليه، ﴿وَلَا يُشْعِرَنَّ﴾، أي: يعلمن ﴿بِكُمْ أَحَدًا (١٩) إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيكُمْ يَرْجُمُوكُمْ﴾، أي: إن علموا بمكانكم، ﴿يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ﴾، يعنون أصحاب دقيانوس، يخافون منهم أن يطلعوا على مكانهم، فلا يزالون يعذبونهم بأنواع العذاب إلى أن يعيدوهم في ملتهم التي هم عليها أو يموتوا، وإن واتَوهم على العودة [٣] في الدين فلا فلاح لهم [٤] في الدنيا ولا في الآخرة؛ ولهذا قال: ﴿وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا﴾.

﴿وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَينَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَال الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيهِمْ مَسْجِدًا (٢١)

يقول تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيهِمْ﴾، أي: أطلعنا عليهم الناس، ﴿لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيبَ فِيهَا﴾.

ذكر غير واحد من السلف أنه كان قد حصل لأهل ذلك الزمان شك في البعث وفي أمر القيامة.


[١]- في خ: "في".
[٢]- في خ: "العود".
[٣]- في خ: "واليتحف".
[٤]- في خ: "لكم".