للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والناس يقولون: الجنسية علة الضم.

والفرض أنه جعل كل واحد منهم يكتم ما هو فيه عن أصحابه خوفًا منهم، ولا يدري أنهم مثله، حتى قال أحدهم: تعلمون والله يا قوم أنه ما [١] أخرجكم من قومكم وأفردكم عنهم إلا شيء، فليظهر [٢] كل واحد منكم ما بأمره. فقال آخر: أما أنا فإني والله [٣] رأيت ما قومي عليه، فعرفت أنه باطل، وإنما الذي يستحق أن يعبد وحده [٤] ولا يشرك به شيء [٥] هو الله [٦] الذي خلق كل شيء السموات والأرض وما بينهما. فقال الآخر: وأنا والله وقع لي كذلك. وقال الآخر كذلك، حتى توافقوا كلهم على كلمة واحدة، فصاروا يدًا واحدة وإخوان صدق، فاتخذوا لهم معبدًا يعبدون الله فيه، فعرف بهم قومهم، فوشوا بأمرهم إلى ملكهم، فاستحضرهم بين بديه، فسألهم عن أمرهم وما هم عليه، فأجابوه بالحق ودعوه إلى الله ﷿؛ ولهذا أخبر تعالى عنهم بقوله: ﴿وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا﴾ -ولن لنفي التأييد- أي [٧]: لا يقع منا هذا أيدًا، لأنا لو فعلنا ذلك لكان باطلًا. ولهذا قال عنهم: ﴿لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا﴾ أي: باطلًا وكذبًا وبهتانًا.

﴿هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ﴾، أي: هلّا [٨] أقاموا على صحة ما ذهبوا إليه دليلًا واضحًا صحيحًا؟! ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾، يقولون: بل هم ظالمون كاذبون في قولهم ذلك فيقال: إنّ ملكهم لما دَعَوه إلى الإِيمان بالله أبي عليهم وتهددهم وتوعدهم، وأمر بنزع لباسهم عنهم الذي كان عليهم من زينة قومهم، وأجّلهم لينظروا في أمرهم لعلهم يراجعون [٩] دينهم الذي كانوا عليه. وكان هذا من لطف الله بهم؛ فإنهم في تلك النظرة توصلوا إلى الهرب منه والفرار بدينهم من الفتنة.

وهذا هو المشروع عند وقوع الفتن في الناس: أن يفر العبد منهم خوفًا على دينه، كما جاء في الحديث (١٩) " يوشك أن يكون خير مال أحدكم غنمًا يتبع بها شَعَف [١٠] الجبال


(١٩) أخرجه البخاري -كتاب الإيمان، كتاب: من الدين الفرار من الفتن (١٩)، وكتاب بدء الخلق، =