للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله: ﴿وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾، يقول تعالى: وصبّرناهم [١] على مخالفة قومهم ومدينتهم، ومفارقة ما كانوا فيه من العيش الرغيد والسعادة والنعمة؛ فإنه قد ذكر غير واحد من المفسرين من السلف والخلف أنهم كانوا [٢] من أبناء ملوك الروم وسادتهم، وأنهم خرجوا يومًا في بعض أعياد قومهم، وكان لهم مجتمعًا [٣] في السنة يجتمعون فيه في ظاهر البلد، وكانوا يعبدون الأصنام والطواغيت ويذبحون لها [٤]، وكان لهم ملك جبار عنيد يقال له: دقيانوس، وكان يأمر الناس بذلك ويحثهم عليه ويدعوهم إليه.

فلما خرج الناس لمجتمعهم ذلك، وخرج هؤلاء الفتية مع آبائهم وقومهم، ونظروا إلى ما يصنع قومهم بعين بصيرتهم، عرفوا [٥] أن هذا الذي يصنعه قومهم من السجود لأصنامهم والذبح لها لا ينبغي إلا لله الذي خلق السموات والأرض، فجعل كل واحد منهم بتخلص من قومه وينحاز منهم ويتبرز عنهم ناحية، وكان [٦] أول من جلس منهم أحدهم، جلس تحت ظل شجرة، فجاء الآخر فجلس عنده، وجاء الآخر فجلى إليهما، وجاء الآخر فجلس إليهم، وجاء الآخر، وجاء الآخر، [وجاء الآخر] [٧]، ولا يعرف واحد منهم الآخر، وإنما جمعهم هناك الذي جمع قلوبهم على الإِيمان.

كما جاء في الحديث الذي رواه البخاري (١٧) تعليقًا من حديث يحيى بن سعيد، عن عمرة، عن عائشة قالت: قال رسول الله : "الأرواح جنودٌ مجندة؛ فما [٨] تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف" أخرجه مسلم في صحيحه (١٨) من حديث سهيل [٩] عن [أبيه عن] [١٠] أبي هريرة عن النبي .


(١٧) البخاري في صحيحه -كتاب الأنبياء (٦٠)، باب: الأرواح جنود مجندة (٢) - (٣٣٢٦).
وقال الحافظ ابن حجر في الفتح (٦/ ٣٧٠): "وقد وصله الإسماعيلي من طريق سعيد بن أبي مريم عن يحيى بن أيوب، ورويناه موصولا في مسند أبي وفيه قصة في أوله … " قلت: أخرجه أبو يعلى في مسنده (٤٣٨١) (٧/ ٣٤٤). والبخاري في الأدب المفرد (٩٠٠) -باب الأرواح جنود مجندة.
(١٨) مسلم في كتاب البر والصلة والآداب (٤٥)، باب: الأرواح جنود مجندة (٤٩) - (١٥٩) (٢٦٣٨) - (١٦/ ٢٨٤).