للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن"، ففي هذه الحال تشرع العزلة عن [١] الناس، ولا تشرع فيما عداها لما يفوت بها من ترك الجماعات والجمع.

فلما وقع عزمهم على الذهاب والهرب من قومهم، واختار الله تعالى لهم ذلك، وأخبر عنهم بذلك في قوله: ﴿وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إلا اللَّهَ﴾، أي: وإذا [٢] فارقتموهم وخالفتموهم بأديانكم في عبادتهم غير الله، ففارقوهم أيضًا بأبدانكم، ﴿فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ﴾، أي: يبسط عليكم رحمة يستركم بها [٣] من قومكم، ﴿وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ﴾ الذي أنتم فيه ﴿مِرْفَقًا﴾، أي: أمرًا ترتفقون [٤] به. فعند ذلك خرجوا هُرَّابًا [٥] إلى الكهف فآووا أليه، ففقدهم قومهم من بين أظهرهم وتطلبهم الملك، فيقال: أنه لم يظفر بهم، وعمّى الله عليهم خبرهم، كما فعل بنبيه محمد [٦] وصاحبه الصديق حين لجأا إلى غار ثور، وجاء المشركون من قريش في الطّلب فلم يهتدوا إليه مع [٧] أنهم يمرون عليه، وعندها قال النبي حين رأى جزع الصّديق في قوله: يا رسول الله، لو أن أحدهم نظر إلى موضع قدميه لأبصرنا!! فقال: "يا أبا بكر؛ ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟ " (٢٠)، وقد قال الله تعالى: ﴿إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَينِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ فقصة هذا الغار أشرف وأجل وأعظم وأعجب من قصة أصحاب الكهف. وقد قيل: إن قومهم ظفروا بهم، ووقفوا [٨] على باب الغار الذي دخلوه، فقالوا: ما كنا نريد منهم من العقوبة أكثر مما فعلوا بأنفسهم. فأمر الملك بردم بابه عليهم ليهلكوا مكانهم، فَفُعِل ذلك. وفي هذا [٩] نظر، والله أعلم؛ فإن الله تعالى قد [١٠] أخبر أن الشمس تدخل عليهم في الكهف بكرة وعشيًّا،


= باب: خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال، (٣٣٠٠)، وكتاب المناقب، كتاب علامات النبوة (٣٦٠٠)، وكتاب الرقاق، باب: العزلة راحة من خلاط السوء، (٦٤٩٥)، وكتاب الفتن، باب التعرب في الفتنة (٧٠٨٨).
(٢٠) أخرجه البخاري -كتاب التفسير، باب: ﴿ثَانِيَ اثْنَينِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾. (٤٦٦٣). ومسلم -كتاب فضائل الصحابة، كتاب: من فضائل أبي بكر الصديق =