للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(١٥) وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إلا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا (١٦)

من هاهنا شرع في بسط القصة وشرحها، فذكر تعالى أنهم فتية - وهم الشباب - وهم أقبلُ للحق، وأهدى للسبيل من الشيوخ الذين قد عَتَوا وعَسَوا في دين الباطل؛ ولهذا كان أكثر المستجيبين لله تعالى ولرسوله شبابًا، وأما المشايخ من قريش فعامتهم بقوا على دينهم، ولم يسلم منهم إلا القليل. وهكذا أخبر تعالى عن أصحاب الكهف أنهم كانوا فتية شبابًا.

قال مجاهد: بلغني أنه كان في آذان بعضهم القِرَطَة (*) يعني: الحِلَق - فألهمهم الله رشدهم، وآتاهم تقواهم، فآمنوا بربهم، أي: اعترفوا له بالوحدانية، وشهدوا أنه لا إله إلا هو.

﴿وَزِدْنَاهُمْ هُدًى﴾: استدل بهذه الآية وأمثالها غير واحد من الأئمة - كالبخاري (١٥) وغيره، ممن ذهب إلى زيادة الإِيمان وتفاضله، وأنه يزيد وينقص، ولهذا قال تعالى: ﴿وَزِدْنَاهُمْ هُدًى﴾، كما قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ﴾ وقال: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا﴾ وقال: ﴿لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ﴾ إلى غير ذلك من [١] الآيات الدالة على ذلك.

وقد ذُكِر: أنهم كانوا على دين عيسى ابن مريم ، والله أعلم. والظاهر أنهم كانوا قبل ملة النصرانية بالكلية؛ فإنهم [٢] لو كانوا على دين النصرانية؛ لما اعتنى أحبار اليهود بحفظ خبرهم وأمرهم لمباينتهم لهم، وقد تقدم (١٦) عن ابن عباس أن قريشًا بعثوا إلى أحبار اليهود بالمدينة يطلبون منهم أشياء يمتحنون بها رسول الله ، فبعثوا إليهم أن يسألوه عن خبر هؤلاء، وعن خبر ذي القرنين، وعن الروح، فدل هذا على أن هذا أمر محفوظ في كتب أهل الكتاب، وأنه متقدم على دين النصرانية، والله أعلم.


(*) بكسر ثم فتح: جمع قرط، وهو الحلق.
(١٥) انظر صحيح البخاري -كتاب الإيمان، باب تفاضل أهل الإيمان في الأعمال (١٥) (٢٢) (١/ ٧٢ - فتح).
(١٦) تقدم (١١).