للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: "إن الدنيا خضرة حلوة، وإن الله مستخلفكم فيها فناظر ماذا تعملون، فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء؛ فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء". ثم أخبر تعالى بزوالها وفنائها وفراغها وانقضائها وذهابها وخوالها فقال تعالى: ﴿وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيهَا صَعِيدًا جُرُزًا﴾، [أي: وإنا لمصيّروها بعد الزينة إلى الخراب والدمار، فنجعل كل شيء عليها هالكًا ﴿صَعِيدًا جُرُزًا﴾، لا يُنْبت ولا ينتفع به، كما قال العوفي عن ابن عباس، في قوله تعالى: ﴿وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيهَا صَعِيدًا جُرُزًا﴾ [١]﴾، يقول: يهلك كل شيء عليها ويبيد. وقال مجاهد: صعيدًا جرزًا: بلقعًا.

وقال قتادة: الصعيد: الأرض التي ليس فيها شجر ولا نبات.

وقال ابن زيد: الصعيد: الأرض التي ليس فيها شيء، ألا ترى إلى قوله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ﴾.

وقال محمد بن إسحاق: ﴿وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيهَا صَعِيدًا جُرُزًا﴾، يعني: الأرض، وأن ما عليها لفان وبائد، وإن المرجع لإِلى الله، فلا تأس ولا يحزنك ما تسمع وترى.

﴿أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا (٩) إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (١٠) فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا (١١) ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَينِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا (١٢)

هذا إخبار [من الله تعالى] [٢] عن قصة أصحاب الكهف على سبيل الإجمال والاختصار، ثم بسطها بعد ذلك، فقال: ﴿أَمْ حَسِبْتَ﴾، يعمي: يا محمد، ﴿أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا﴾، أي: ليس أمرهُم عجيبًا في قدرتنا وسلطاننا؛ فإن خلق السموات والأرض، واختلاف الليل والنهار، وتسخير الشمس والقمر والكواكب، وغير ذلك من الآيات العظيمة الدالة على قدرة الله تعالى، وأنه على ما يشاء قادر، ولا يعجزه شيء أعجب من أخبار أصحاب الكهف، كما قال ابن جريج، عن مجاهد: ﴿أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا﴾، يقول: قد


[١]- ما بين المعكوكين سقط من: خ.
[٢]- ما بين المعكوفتين سقط من: ز