يحدث الله إليه في ذلك وحسًا، ولا يأتيه جبريل ﵇، حتَّى أرجف أهل مكة وقالوا: وعدنا محمد غدًا، واليرم خمس عشرة قد أصبحنا فيها لا يخبرنا بشيء عما سألناه عنه؟! وحتى أحزنَ رسولَ الله ﷺ مكثُ الوحي عنه، وشق عليه ما يتكلم به أهل مكة، ثم جاءه جبريل ﵇ من عند الله ﷿ بسورة أصحاب الكهف؛ فيها [١] معاتبته إياه على حزنه عليهم، وخبر ما سألوه عنه من أمر الفتية والرجل الطواف، وقول الله ﷿: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إلا قَلِيلًا﴾.
يقول تعالى مسليًا رسوله [٢] صلوات الله وسلامه عليه في حزنه على المشركين لتركهم الإيمان وبعدهم عنه، كما قال تعالى: ﴿فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيهِمْ حَسَرَاتٍ﴾ وقال: ﴿وَلَا تَحْزَنْ عَلَيهِمْ﴾ وقال: ﴿لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ باخع: أي: مهلك نفسك بحزنك عليهم؛ ولهذا قال: ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ﴾، يعني: القرآن. ﴿أَسَفًا﴾، يقول: لا تهلك نفسك أسفًا.
قال قَتَادة: قاتل نفسك غضبًا وحزنًا عليهم.
وقال مجاهد: جزعًا.
والمعنى [متقارب، أي][٣]: لا تأسف عليهم، بل أبلغهم رسالة الله، فمن اهتدى فلنفسه، ومن ضل فإنما يضل عليها، فلا [٤] تذهب نفسك عليهم حسرات.
ثم أخبر تعالى أنَّه جعل الدنيا دارًا فانية مُزَيَّنة بزينة زائلة، وإنما جعلها دار اختبار لا دار قرار، فقال: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾.
قال قَتَادة (١٠): عن أبي نَضْرة، عن أبي سعيد، عن رسول الله ﷺ أنَّه