للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عصم منه".

﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (١) قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (٢) مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا (٣) وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (٤) مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إلا كَذِبًا (٥)

قد تقدم في أول التفسير أنَّه تعالى يحمد نفسه المقدسة عند فواتح الأمور وخواتيمها، فإنه المحمود على كل حال، وله الحمد في الأولى والآخرة، ولهذا حمد نفسه على إنزاله كتابه العزيز على رسوله الكريم محمد صلوات الله وسلامه عليه، فإنه أعظم نعمة أنعمها الله على أهل الأرض إذ أخرجهم به من الظلمات إلى النور، حيث جعله كتابًا مستقيمًا لا اعوجاج فيه ولا زيغ، بل يهدي إلى صراط مستقيم، واضحًا بينًا جليًّا، نذيرًا للكافرين وبشيرًا للمؤمنين؛ ولهذا قال: ﴿وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا﴾، أي: لم يجعل فيه اعوجاجًا ولا زيغًا ولا ميلًا، بل جعله معتدلًا مستقيمًا؛ ولهذا قال: ﴿قَيِّمًا﴾ أي: مستقيمًا.

﴿لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ﴾، أي: لمن خالفه وكذبه [١] ولم يؤمن به، ينذره ﴿بَأْسًا شَدِيدًا﴾: عقوبة عاجلة في الدنيا وآجلة في الأخرى، ﴿مِنْ لَدُنْهُ﴾، أي: من عند الله الذي لا يعذب عذابه أحد، ولا يوثق وثاقه أحد، ﴿وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ﴾، أي: بهذا القرآن، الذين صدقوا إيمانهم كالعمل الصالح، ﴿أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا﴾ أي: مثوبة عند الله جميلة، ﴿مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا﴾: في ثوابهم عند الله - وهو الجنَّة - خالدين فيه، ﴿أَبَدًا﴾ دائمًا لا زوال له ولا انقضاء [٢]: ﴿وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا﴾، قال ابن إسحاق: وهم مشركو العرب في قولهم: نحن نعبد الملائكة وهم بنات الله.

﴿مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ﴾، أي: بهذا القول الذي افتروه وائتفكوه من علم ﴿وَلَا لِآبَائِهِمْ﴾، أي: أسلافهم [٣].

﴿كَبُرَتْ كَلِمَةً﴾ نصب على التمييز تقديره: كَبُرَتْ كلمتُهم هذه كلمةً.


[١]- في خ: "كذب".
[٢]- بعده في ت: وقوله.
[٣]- في ت: "لأسلافهم".