للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في ذلك بنا إذا لم نقبل منك ما جئتنا به، فقد بلغنا أنه إنما يعلمك هذا رجل باليمامة يقال له: الرحمن، وإنا والله لا نؤمن بالرحمن أبدًا، فقد أعذرنا إليك يا محمد، أما والله لا نتركك وما فعلت بنا حتى نهلكك أو تهلكنا. وقال قائلهم: نحن نعبد الملائكة وهي بنات الله. وقال قائلهم: لن نؤمن لك حتى تأتي بالله والملائكة قبيلًا.

فلما قالوا ذلك قام رسول الله ، عنهم، وقام معه عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم -وهو ابن عمته، ابن عاتكة ابنة عبد المطلب- فقال: يا محمد، عرض عليك [١] قومك ما عرضوا فلم تقبله منهم، ثم سألوك لأنفسهم أمورًا ليعرفوا بها منزلتك من الله فلم تفعل ذلك، ثم سألوك أن تعجل ما تخوفهم به من العذاب، فوالله لا أومن بك [٢] أبدًا حتى تتخذ إلي السماء سلمًا، ثم ترقى فيه وأنا أنظر حتى تأتيها وتأتي معك بنسخة منشورة [٣]، معك أربعة من الملائكة يشهدون لك أنك كما تقيل، وايم الله لو فعلت ذلك لظننت أني لا أصدقك. ثم انصرف عن رسول الله ، وانصرف رسول الله إلى أهله حزينًا أسفًا لما فاته مما كان طمع فيه من قومه حين دعوه، ولما رأى من مباعدتهم إياه.

وهكذا رواه زياد بن عبد الله البكائي، عن ابن إسحاق، حدثني بعض أهل العلم، عن سعيد بن جبير وعكرمة، عن ابن عباس، فذكر مثله سواء.

وهذا المجلس الذي اجتمع هؤلاء له، لو [٤] علم الله منهم أنهم يسألون ذلك استرشادًا لأجيبوا إليه، ولكن علم [٥] أنهم إنما يطلبون ذلك كفرًا وعنادًا، فقيل للرسول: إن شئت أعطناهم ما سألوا، فإن كفروا عذبتهم عذابًا لا أعذبه أحدًا من العالمين، وإن شئت فتحت عليهم باب [٦] التوبة والرحمة. فقال: "بل تفتح عليهم باب التوبة والرحمة". كما تقدم ذلك في حديثي ابن عباس والزبير بن العوام (٢٧٤) أيضًا عند قوله تعالى: ﴿وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إلا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَينَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إلا تَخْويفًا (٥٩)﴾، وقال تعالى: ﴿وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا (٧) أَوْ يُلْقَى إِلَيهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَال الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إلا رَجُلًا مَسْحُورًا (٨) انْظُرْ كَيفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَال فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (٩) تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا


(٢٧٤) - تقدم (٢٠١، ٢٠٢، ٢٠٣).