قال ابن جرير (٢٧٣): حدثنا أبو كريب، حدثنا يونس بن بُكَير، حدثنا محمد بن إسحاق، حدثني شيخ من أهل مصر قدم منذ بضع وأربعين سنة، عن عكرمة، عن ابن عباس: أن عتبة وشيبة ابني ربيعة، وأبا سفيان بن حرب، ورجلًا من بني عبد الدار، وأبا البَختَري أخا بني أسد، والأسود بن المطلب بن أسد، وزمعة بن الأسود، والوليد بن المغيرة، وأبا جهل بن هشام، وعبد الله بن أبي أمية، وأمية بن خلف، والعاص بن وائل، ونُبَيهًا ومُنبهًا ابني الحجاج السّهْميين اجتمعوا -أو من اجتمع منهم- بعد غروب الشمس عند ظهر الكعبة، فقال بعضهم لبعض: ابعثوا إلي محمد فكلموه وخاصموه حتى تُعذرُوا فيه [١]. فبعثوا إليه: أن أشراف قومك قد اجتمعوا لك ليكلموك، فجاءهم رسول الله ﷺ سريعًا وهو يظن أنه قد بدا لهم في أمره بَداء، وكان عليهم حريصًا، يحب رشدهم، ويعز عليه عَنتُهم، حتى جلس إليهم، فقالوا: يا محمد؛ إنا قد بعثنا إليك لنُعذَر فيك، وإنا والله ما نعلم رجلًا من العرب أدخل علي قومه ما أخلت علي قومك، لقد شتمت الآباء، وعبت الدين، وسفهت الأحلام، وشتمت الآلهة، وفرقت الجماعة، فما بقي من أمر قبيح إلا وقد جئته فيما بيننا وبينك! فإن كنت إنما جعت بهذا الحديث تطب [][٢] مالًا، جمعنا لك من أموالنا، حتى تكون أكثرنا مالًا، وإن كنت إنما تطلب الشرف فينا سوّدناك علينا، وإن كنت تريد ملكًا ملكناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك بما يأتيك رَئيًّا تراه قد غلب [٣] عليك- وكانوا يسمون التابع من الجن: الرّئي- فربما كان ذلك، بذلنا أموالنا في طلب الطب حتى نبرئك منه، أو نعذرَ فيك.
فقال رسول الله ﷺ: "ما بي ما تقولون، ما جئتكم بما جئتكم به أطلبُ أموالكم ولا الشرفَ فيكم، ولا الملك عليكم، ولكن الله [٤] بعثني إليكم رسولًا، وأنزل عليّ كتابًا، وأمرني أن أكون لكم بشيرًا ونذيرًا، فبلغتكم رسالة ربي، ونصحت لكم، فإن تقبلوا مني ماجئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخوة، وإن تردّوه عليّ أصبر لأمر [٥] الله، حتى يحكم الله [٦]، بيني وبينكم. أو كما قال رسول الله صلى الله عليه
(٢٧٣) - أخرجه ابن جرير في تفسيره (١٥/ ١٦٤: ١٦٦). وعزاه السيوطي في الدر المنثور (٤/ ٣٦٥: ٣٦٧) إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم. وانظر سيرة ابن هشام (١/ ٣٠٦: ٣٠٩).