للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم نبه تعالى علي شرف هذا القرآن العظيم، فأخبر أنه تعالى لو اجتمعت الإنس والجن كلهم، واتفقوا علي أن يأتوا بمثل ما أنزله علي رسوله لما أطاقوا ذلك ولما استطاعوه، ولو تعاونوا وتساعدوا وتظافروا، فإن هذا أمر لا يستطاع، وكيف يشبه كلام المخلوقين كلام الخالق الذي لا نظير له، ولا مثال له، ولا عديل له؟!

وقد روى محمد بن إسحاق (٢٧٢)، عن محمد بن أبي محمد، عن سعيد [بن جبير] [١]-أو عكرمة- عن ابن عباس: أن هذه الآية نزلت في نفر من اليهود جاءوا رسول الله فقالوا له: إنا نأتيك بمثل ما جئتنا به [٢]. فأنزل الله هذه الآية.

وفي هذا نظر؛ لأن هذه السورة مكية، وسياقها كله مع قريش، واليهود إنما اجتمعوا به في المدينة، فالله أعلم.

وقوله: ﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ﴾، أي: بينا لهم الحجج والبراهين القاطعة، ووضحنا لهم الحق وشرحناه وبسطاه، ومع هذا ﴿فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إلا كُفُورًا﴾، أي: جحودًا للحق [٣] وردًّا للصواب.

﴿وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (٩٠) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالهَا تَفْجِيرًا (٩١) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَينَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (٩٢) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيتٌ مِنْ


= في قلوبكم ويرفع ما في المصاحف، ثم قرأ عبد الله هذا الآية. وقال الحاكم: "صحيح الإسناد ولم خرجا، ووافقه الذهبي، وذكز الهيثمي في المجمع (٧/ ٥٥٠٥٤) وقال: "رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير شداد بن معقل وهو ثقة". وأخرجه الدارمي في سننه (٢٣٤٦) (٢/ ٣١٥) حدثنا عمرو بن عاصم، ثنا حماد بن سلمة عن عاصم عن زر عن ابن مسعود قال: ليسرين على ذات ليلة، ولا يترك آية في مصحف، ولا في قلب أحد إلا رفعت. وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. وأخرجه الدارمي أيضًا (٢٣٤٤) نحوه. والبيهقي في شعب الإيمان (٢٠٢٦) (٢/ ٣٥٥). من طريقين عن ناجية بن عبد الله بن عتبة بن مسعود وقال البيهقي: "هذا ناجية بن عبد الله بن عتبة بن مسعود" وليس له غير هذا".
(٢٧٢) - أخرجه ابن جرير في تفسيره (١٥/ ١٥٨) حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يونس بن بكير قال: ثنا محمد بن إسحاق به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور (٤/ ٣٦٥) إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم.