للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقول تعالى مخبرًا عن كتابه الذي أنزله على رسوله محمَّد -وهو القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد- أنه ﴿شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾، أي: مذهب ما في القلوب من أمراض؛ من شك ونفاق، وشرك وزيغ وميل -القرآن يشفي من ذلك كله- وهو أيضًا رحمة يحصل فيها الإيمان والحكمة وطلب الخير والرغبة فيه، وليس هذا إلا لمن آمن به وصدقه واتبعه؛ فإنه يكون شفاء في حقه ورحمة، وأما الكافر الظالم نفسه بذلك فلا يزيده سماعه القرآن إلا بعدًا [١] وتكذيبًا وكفرًا، والآفة من الكافر لا من القرآن، كقوله تعالى: ﴿قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ﴾، وقال تعالى: ﴿وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (١٢٤) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ﴾ والآيات في ذلك كثيرة.

[قال قتادة في قوله] [٢]: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾: إذا سمعه المؤمن انتفع به وحفظه ووعاه، ﴿وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إلا خَسَارًا﴾. إنه لا ينتفع به ولا يحفظه ولا يعيه، فإن الله جعل هذا القرآن شفاء ورحمة للمؤمنين.

﴿وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا (٨٣) قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا (٨٤)

يخبر تعالى عن نقص الإنسان من حيث هو؛ إلا من عَصَمَ الله تعالى، في حالتي سرائه وضرائه؛ لأنه إذا أنعم الله عليه بمال وعافية، وفتح ورزق ونصر، ونال ما يريد، أعرض عن طاعة الله وعبادته ونأى بجانبه.

قال مجاهد: بعد عنَّا.

قلت: وهذا كقوله تعالى: ﴿فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ﴾، وقوله: ﴿فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ﴾.

وبأنه إذا مسه الشر -وهو المصائب والحوادث والنوائب- ﴿كَانَ يَئُوسًا﴾. أي: قنط أن يعودَ يحصلُ له بعد ذلك خير، كقوله [٣] تعالى: ﴿وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ


[١]- في ز: "هدًا".
[٢]- ما بين المعكوفتين في ز، خ: "قال تعالى في قوله تعالى".
[٣]- في خ: "كما قال".