للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (١٩)﴾.

يخبر تعالى أنه ما كُلُّ من طلب الدنيا وما فيها من النعيم يحصل له [١]، بل إنما يحصل لمن أراد الله ما [٢] يشاء، وهذه مُقيِّدة لإطلاق ما سواها من الآيات؛ فإنه قال: ﴿عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ﴾ أي: في الدار [٣] الآخرة ﴿يَصْلَاهَا﴾ أي: يدخلها حتى تغمره من جميع جوانبه ﴿مَذْمُومًا﴾ أي: في حال كونه مذمومًا على سوء تصرفه وصنيعه، إذ اختار الفاني على الباقي ﴿مَدْحُورًا﴾ مبعدًا مقصيًّا حقيرًا ذليلًا مهانًا.

روى [٤] الإِمام أحمد (١١٥): حدثنا حسين، حدثنا ذويد [٥] عن أبي إسحاق، عن عروة عن عائشة قالت: قال رسول الله : "الدنيا دار من لا دار له، ومال من لا مال له، ولها [٦] يجمع من لا عقل له!. وقوله ﴿وَ [٧] مَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ﴾ أي: أراد الدار الآخرة وما فيها من النعيم والسرور ﴿وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا﴾ أي: طلب ذلك من طريقه، وهو متابعة الرسول ﴿وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾ أي: وقلبه مؤمن، أي: مصدق موقن بالثواب والجزاء ﴿فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا﴾.

﴿كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (٢٠) انْظُرْ كَيفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (٢١)

[يقول تعالى ﴿كُلًّا﴾ أي: كل واحد من الفريقين، الذين أرادوا الدنيا والذين أرادوا الآخرة- نمدهم فيما هم فيه ﴿مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ﴾ أي: هو المتصرف، الحاكم الذي لا


(١١٥) - أخرجه أحمد - (٦/ ٧١). والبيهقي في "الشعب" (١٠٦٣٨) (٧/ ٣٧٥) من طريق أبي سليمان النصيبي عن أبي إسحاق به. وذكره الهيثمي في "المجمع" - (١٠/ ٢٩١) وقال: "رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح غير ذويد وهو ثقة" وهو كذلك إلا أن أبا إسحاق وهو السبيعي مدلس وقد عنعنه وأعله بذلك الألباني فكان من نصيب "الضعيفة" (١٩٣٣) (٤/ ٤٠٣).