يخبر تعالى أنه ما كُلُّ من طلب الدنيا وما فيها من النعيم يحصل له [١]، بل إنما يحصل لمن أراد الله ما [٢] يشاء، وهذه مُقيِّدة لإطلاق ما سواها من الآيات؛ فإنه قال: ﴿عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ﴾ أي: في الدار [٣] الآخرة ﴿يَصْلَاهَا﴾ أي: يدخلها حتى تغمره من جميع جوانبه ﴿مَذْمُومًا﴾ أي: في حال كونه مذمومًا على سوء تصرفه وصنيعه، إذ اختار الفاني على الباقي ﴿مَدْحُورًا﴾ مبعدًا مقصيًّا حقيرًا ذليلًا مهانًا.
روى [٤] الإِمام أحمد (١١٥): حدثنا حسين، حدثنا ذويد [٥] عن أبي إسحاق، عن عروة عن عائشة ﵂ قالت: قال رسول الله ﷺ: "الدنيا دار من لا دار له، ومال من لا مال له، ولها [٦] يجمع من لا عقل له!. وقوله ﴿وَ [٧] مَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ﴾ أي: أراد الدار الآخرة وما فيها من النعيم والسرور ﴿وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا﴾ أي: طلب ذلك من طريقه، وهو متابعة الرسول ﷺ ﴿وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾ أي: وقلبه مؤمن، أي: مصدق موقن بالثواب والجزاء ﴿فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا﴾.
[يقول تعالى ﴿كُلًّا﴾ أي: كل واحد من الفريقين، الذين أرادوا الدنيا والذين أرادوا الآخرة- نمدهم فيما هم فيه ﴿مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ﴾ أي: هو المتصرف، الحاكم الذي لا
(١١٥) - أخرجه أحمد - (٦/ ٧١). والبيهقي في "الشعب" (١٠٦٣٨) (٧/ ٣٧٥) من طريق أبي سليمان النصيبي عن أبي إسحاق به. وذكره الهيثمي في "المجمع" - (١٠/ ٢٩١) وقال: "رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح غير ذويد وهو ثقة" وهو كذلك إلا أن أبا إسحاق وهو السبيعي مدلس وقد عنعنه وأعله بذلك الألباني فكان من نصيب "الضعيفة" (١٩٣٣) (٤/ ٤٠٣).