للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يجور، فيعطى كُلًّا ما يستحقه من السعادة والشقاوة، فلا راد لحكمه، ولا مانع لما أعطى، ولا مغير لما أراده، لهذا قال ﴿وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا﴾ أي: لا يمنعه أحد ولا يرده راد.

قال قتادة: وما كان عطاء ربك محظورًا أي: منقوصًا، وقال الحسن وغيره: أي: ممنوعًا، ثم قال ﴿انْظُرْ كَيفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ أي: في الدنيا، فمنهم الغني والفقير وبين ذلك، والحسن والقبيح وبين ذلك، ومن يموت صغيرًا، ومن يعمر حتى يبقى شيخًا كبيرًا، وبين ذلك ﴿وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا﴾ أي: ولتفاوتهم في الدار الآخرة أكبر من الدنيا؛ فإن منهم من يكون في الدركات في جهنم وسلاسلها وأغلالها، ومنهم من يكون في الدرجات العلى ونعيمها وسرورها، ثم أهل الدركات يتفاوتون فيما هم فيه كما أن أهل الدرجات يتفاوتون، فإن الجنة مائة درجة، ما بين كل درجتين كما بين السماء رالأرض. وفي الصحيحين (١١٦) " إن أهل الدرجات العلى ليرون أهل عليين كما ترون الكوكب الغابر في أفق السماء"؛ ولهذا قال تعالى ﴿وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا﴾ وفي الطبراني (١١٧) من رواية زاذان عن سلمان مرفوعًا "ما من عبد يريد أن يرتفع في الدنيا درجة فارتفع إلا وضعه الله في الآخرة أكبر منها" ثم قرأ ﴿وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا﴾] [١].

﴿لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا (٢٢)

يقول تعالى -والمراد المكلفون من الأمة-: لا تجعل أيها المكلف في عبادتك ربِّك له شريكًا ﴿فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا﴾ علي إشراكك، ﴿مَخْذُولًا﴾ لأن الرب تعالى لا ينصرك، بل يَكِلُك إلي الذي عبدت معه، وهو لا يملك لك ضرًّا ولا نفعًا، لأن مالك الضر والنفع هو الله وحده لا شريك له.


(١١٦) - أخرجه البخاري في صحيحه -كتاب بدء الخلق باب: ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة- (٣٢٥٦). ومسلم في صحيحه -كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب: ترائي أهل الجنة أهل الغرف، كما يرى الكوكب في السماء (١١) (٢٨٣١). من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعًا ولفظه: "إن أهل الجنة يتراءَون أهل الغرف من فوقهم كما يتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب. .".
(١١٧) - أخرجه الطبراني في الكبير - (٦١٠١) (٦/ ٢٣٩ - ٢٤٠)، وأبو نعيم في الحلية - (٤/ ٢٠٤). من طرق عبد الغفور بن سعيد الأنصاري عن أبي هاشم الرماني عن زاذان به. وعبد الغفور هذا كان ممن يضع الحديث كما قال ابن حبان، وقال البخاري: تركوه. والحديث ذكره الهيثمي في "المجمع" (٥٢١٧) رواه الطبراني وفيه أبو الصباح عبد الغفور وهو متروك".