للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (٨) قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيءٍ إِنْ أَنْتُمْ إلا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ﴾ وكذا قوله: ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَال لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ وقال تعالى: ﴿وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ﴾ إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن الله تعالى لا يدخل أحدًا النار إلَّا بعد إرسال الرسول إليه، ومن ثم طعن جماعة من العلماء في اللفظة التي جاءت مقحمة في صحيح البخاري (٧٥) عند قوله تعالى: ﴿إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾.

حدَّثنا [عبيد الله] [١] بن سعد، حدَّثنا يعقوب، حدَّثنا أبي، عن صالح بن كيسان، عن الأعرج [بإسناده إلى] [٢] أَبى هريرة عن النبي قال: "اختصمت الجنَّة والنار" فذكر الحديث إلى أن قال: "وأما الجنَّة فلا يظلم الله من خلقة أحدًا، وإنه ينشئ للنار خلقًا فيلقون فيها. فتقول: هل من مزيد؟ [ويلقون فيها. وتقول: هل من مزيد؟﴾ [٣] ثلاثًا" وذكر تمام الحديث.

فإن هذا إنما جاء في الجنَّة لأنها دار فضل، وأما النار فإنها دار عدل [٤]، لا يدخلها أحد إلَّا بعد الإعذار إليه وقيام الحجة عليه، وقد تكلم جماعة من الحفاظ في هذه اللفظة وقالوا: لعله انقلب على الراوي بدليل ما أخرجاه في الصحيحين (٧٦) - واللفظ للبخاري-[من حديث عبد الرزاق] [٥]، عن معمر، عن همام، عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله


(٧٥) - أخرجه البخاري في صحيحه -كتاب التوحيد، باب: ما جاء في قول الله تعالى: ﴿إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ (٧٤٤٩). وقال أبي حجر في الفتح - (١٣/ ٤٣٧). قال جماعة من الأئمة إن هذا الموضع مقلوب، وجزم ابن القيم بأنه غلط واحتج بأن الله تعالى أخبر بأن جهنم تمتلئ من إبليس وأتباعه وكذا أنكر الرواية شيخنا البلقيني واحتج بقوله: ﴿وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾ ثم قال: وحمله على أحجار تلقى في النار أقرب من حمله على ذي روح يعذب لغير ذنب انتهى، ويمكن التزام أن يكونوا من ذوي الأرواح ولكن لا يعذبون كما في الخزنة، ويحتمل أن يراد بالإنشاء ابتداء ادخال الكفار النار، وعبر عن ابتداء الإدخال بالإنشاء، فهو إنشاء الإدخال لا الإنشاء بمعنى ابتداء الخلق بدليل قوله فيلقون فيها وتقول هل من مزيد وأعادها ثلاث مرات ثم قال حتَّى يقع فيها قدمه فحينئذ تمتلئ فالذي يملؤها حتَّى تقول حسبي هو القدم كما هو صريح الخبر.
(٧٦) - أخرجه البخاري في صحيحه -كتاب التفسير، باب: "وتقول هل من مزيد" (٤٨٥٠) =