للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فهم [١] غافلون عما يراد بهم.

﴿لَا جَرَمَ﴾ أي: لا بد ولا عجب أن من هذه صفته ﴿أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ أي: الذين خسروا أنفسهم وأهليهم [٢] يوم القيامة.

وأما قوله: ﴿إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان﴾ فهو استثناء ممن [٣] كفر بلسانه، ووافق المشركين بلفظه، مكرهًا لما ناله من ضرب وأذى، وقلبه يأبى [٤] ما يقول، وهو مطمئن بالإِيمان بالله ورسوله.

وقد روى العوفي، عن ابن عباس: أن هذه الآية نزلت في عمار بن ياسر، حين عذبه المشركون حتى يكفر بمحمد ، فوافقهم على ذلك مكرهًا، وجاء معتذرًا إلى النبي ، فأنزل الله هذه الآية. وهكذا قال الشعبي [وقتادة وأبو مالك].

وقال ابن جرير (٦٠): حدثنا ابن عبد الأعلى، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن عبد الكريم الجزري [٥]، عن أبي عبيدة بن [٦] محمد بن عمار بن ياسر، قال: أخذ المشركون عمار بن ياسر، فعذبوه حتى قاربهم في بعض ما أرادوا، فشكا ذلك إلى النبي ، فقال النبي : "كيف تجد قلبك؟ " قال: مطمئنًا بالإيمان. قال النبي : "إن عادوا فعد".

ورواه البيهقي (٦١) بأبسط من ذلك، وفيه أنه سب النبي ، وذٍ كر آلهتهم بخير، [فشكا ذلك إلى النبي ، فقال] [٧]: يا رسول الله، ما تُرِكتُ حتى سببتك، وذكرت آلهتهم بخير. قال: "كيف تجد قلبك؟ " قال: مطمئنًا بالإيمان. فقال [٨]: "إن عادوا فعد". وفي ذلك أنزل الله: ﴿إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان﴾.

ولهذا اتفق العلماء: على [أن المكره على الكفر يجوز له أن يوالي] [٩] إبقاء لمهجته،


(٦٠) - أخرجه الطبري (١٤/ ١٨٢).
(٦١) - أخرجه البيهقي (٨/ ٢٠٨ - ٢٠٩) كتاب المرتد، باب: المكره على الردة.