وقوله: ﴿فَرَدُّوا أَيدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ﴾ اختلف المفسررن في معناه، فقيل [١]: معناه أنهم أشاروا إلى أفواه الرسل، يأمرونهم بالسكوت عنهم لما دعوهم إلى الله ﷿.
وقيل: بل وضعوا أيديهم على أفواههم تكذيبًا لهم. وقيل: بل هو عبارة عن سكوتهم عن جواب الرسل.
وقال مجاهد ومحمد بن كعب وقَتَادة: معناه [٢] أنهم كذبوهم وردوا عليهم قولهم بأفواههم.
قال ابن جرير (١٣): وتوجيهه أن "في"ها هنا [٣] بمعنى الباء، قال: وقد سمع من العرب: أدخلك الله بالجنة، يعنون في الجنَّة، وقال الشاعر:
وأَرْغَبُ فيها عن لَقِيطٍ وَرَهْطِهِ … وَلَكِنَّني عن سِنْبِسٍ لستُ أَرْغَبُ
يريد: أرغب بها.
قلت: ويؤيد [٤] قول مجاهد تفسير ذلك بتمام الكلام ﴿وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيهِ مُرِيبٍ﴾ فكأن هذا [-والله أعلم-][٥] تفسير لمعنى ﴿فَرَدُّوا أَيدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ﴾.
وقال سفيان الثَّوري وإسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله في قوله ﴿فَرَدُّوا أَيدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ﴾ قال: عضوا عليها عضًّا [٦].
وقال شعبة، عن أَبي إسحاق عن [هبيرة بن يريم][٧]، عن عبد الله أنَّه قال ذلك أيضًا.
وقد اختاره عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، ووجهه ابن جرير مختارًا له بقوله تعالى عن المنافقين: ﴿وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيظِ﴾.
وقال العوفي، عن ابن عبَّاس: لما سمعوا كلام الله عجبوا، ررجعوا بأيديهم إلى أفواههم.