للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والعلم بأنه لا إله غيره، كما أخذ عليهم الميثاق بذلك، وجعله في غرائزهم وفطرهم، ومع هذا قدر أن منهم شقيا ومنهم سعيدًا ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ﴾. وفي الحديث (٥١): " كل الناس يغدو، فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها". وقدر الله نافذ في بريته، فإنَّه هو ﴿وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى﴾، و ﴿الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾. وفي الصحيحين (٥٢): " فأمَّا من كان منكم [١] من أهل السعادة فسييسر لعمل أهل السعادة، وأما [٢] من كان من أهل الشقاوة فسييسر لعمل أهل [٣] الشقاوة". ولهذا قال تعالى: ﴿فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ﴾، ثم علل ذلك فقال: ﴿إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ [وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ] [٤]﴾.

قال ابن جرير [٥]: وهذا من أبين الدلالة على خطأ من زعم: أن الله لا يعذب أحدًا على معصية ركبها، أو ضلالة اعتقدها إلَّا أن يأتيها بعد علم منه بصواب وجهها، فيركبها عنادًا منه لربه فيها؛ لأنَّ ذلك [٦] لو كان كذلك لم يكن بين فريق الضلالة الذي ضل وهو يحسب أنَّه هاد وفريق الهدى؛ فرق، وقد فرق الله تعالى بين أسمائهما وأحكامهما في هذه الآية.

﴿يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (٣١)﴾ هذه الآية الكريمة رد على المشركين فيما كانوا يعتمدونه من الطواف بالبيت عراة؛ كما رواه مسلم والنَّسائيُّ وابن جرير واللفظ له (٥٣): من حديث شعبة، عن سلمة بن كهيل، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: كانوا يطوفون بالبيت عراة: الرجال والنساء، الرجال بالنهار، والنساء بالليل، وكانت المرأة تقول:

اليوم يَبدُو بَعضُه أو كُلهُ … وَمَا بَدَا مِنْهُ فَلَا أُحِلُّهُ

فقال تعالى: ﴿خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾.


(٥١) - صحيح جزء من حديث تقدم تخريجه [سورة المائدة/ آية ٦] من حديث أبي مالك الأشعري.
(٥٢) - صحيح يأتي تخريجه [سورة الليل/ آية ٧] من حديث على بن أبي طالب.
(٥٣) - تفسير ابن جرير (١٢/ ١٤٥٠٤) وأخرجه أيضاً (١٢/ ١٤٥٠٣، ١٤٥٠٦) ومسلم، كتاب: التفسير، باب: في قوله تعالى: ﴿خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ (٢٥) (٣٠٢٨) والنَّسائيُّ، كتاب: الحج، باب: قوله عز رجل ﴿خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ (٥/ ٢٣٣، ٢٣٤).