للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، قوله: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ يقول: سبيلًا وسنة، والسنن مختلفة، هي في التوراة شريعة، وفي الإنجيل شريعة، وفي الفرقان شريعة، يحل الله فيها ما يشاء، ويحرم ما يشاء، ليعلم من يطيعه ممن يعصيه، والدين الذي لا يقبل الله غيره: التوحيد والإخلاص لله الذي جاءت به جميع [١] الرسل عليهم الصلاة والسلام (٥٠٢).

وقيل [٢]: المخاطب [بهذه الآية] [٣] [هذه الأمة] [٤]، ومعناه: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا﴾ القرآن ﴿مِنْكُمْ﴾ أيتها الأمة: ﴿شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ أي: هو لكم كلكم تقتدون به، وحذف الضمير المنصوب في قوله: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ﴾ أي: جعلناه يعني القرآن ﴿شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ أي: سبيلًا إلى المقاصد الصحيحة وسنة أي: طريقًا ومسلكًا واضحًا بينًا.

هذا مضمون ما حكاه ابن جرير عن مجاهد ، والصحيح: القول الأول، ويدل على ذلك قوله تعالى بعد [٥]: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ فلو كان هذا خطابًا لهذه الأمة؛ لما صح أن يقول: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ [وهم أمة واحدة] [٦]، ولكن هذا خطاب لجميع الأمم، وإخبار عن قدرته تعالى العظيمة، التي لو شاء لجمع الناس كلهم على دين واحد وشريعة واحدة، لا ينسخ شيء منها، ولكنه تعالى شرع لكل رسول شرعة على حدة، ثم نسخها أو بعضها برسالة الآخر الذي بعده، حتى نسخ الجميع بما بعث به عبده ورسوله محمدًا ، الذي [٧] ابتعثه إلى أهل الأرض قاطبة، وجعله خاتم الأنبياء كلهم؛ ولهذا قال تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ﴾ أي: أنه تعالى شرع الشرائع مختلفة، ليختبر عباده فيما شرع لهم، ويثيبهم أو يعاقبهم على طاعته ومعصيته بما فعلوه أو عزموا عليه من ذلك كله.


= ورواه البخارى رقم (٣٤٤٢) ومسلم (٢٣٦٥/ ١٤٣، ١٤٤) من طريق أبى سلمة بن عبد الرحمن عن أبى هريرة نحوه.
(٥٠٢) - رواه ابن جرير فى تفسيره (١٠/ ٣٨٥) (١٢١٢٦)، ابن أبى حاتم (٤/ ١١٥٢) (٦٤٨٨) من طريق يزيد بن ذريع ثنا سعيد عن قتادة به.
وذكره السيوطى فى الدر المنثور (٢/ ٥١٣) وزاد نسبته لعبد بن حميد وأبى الشيخ.