للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والثالث: أن هذه وسيلة إلى التدرج في السرقة من القليل إلى الكثير الذي تقطع فيه يده، ويحتمل أن يكون هذا خرج مخرج الإِخبار عما كان الأمر عليه في الجاهلية حيث كانوا يقطعون في القليل والكثير، فلعن السارق الذي يبذل يده الثمينة في الأشياء المهينة.

وقد ذكروا أن أبا العلاء المعري لما قدم بغداد [١] اشتهر عنه أنه أورد إشكالًا على الفقهاء، في جعلهم نصاب السرقة ربع دينار، ونظم في ذلك شعرًا دل على جهله وقلة عقله، فقال:

[يد بخمس مئين عسجد وُدِيَتْ [٢] … ما بالها قطعت في ربع دينار

تناقض مالنا إلا السكوت له … وأن نعوذ بمولانا من النار] [٣]

ولما قال ذلك واشتهر عنه تطلبه الفقهاء، فهرب منهم، وقد أجابه الناس في ذلك، فكان جواب القاضي عبد الوهاب المالكي أنه قال: لما كانت أمينة، كانت ثمينة، ولما خانت هانت. ومنهم من قال: هذا من تمام الحكمة والمصلحة وأسرار الشريعة العظيمة، فإنه [٤] في باب الجنايات ناسب أن تعظم قيمة اليد بخمسمائة دينار؛ لئلا يجنى عليها، وفي باب السرقة ناسب أن يكون القدر الذي تقطع فيه ربع دينار؛ لئلا يتسارع الناس في سرقة الأموال، فهذا هو عين الحكمة عند ذوي الألباب. ولهذا قال: ﴿جزاء بما كسبا نكالًا من اللَّه، واللَّه عزيز حكيم﴾ أي: مجازاة على صنيعهما السئ في أخذهما أموال الناس بأيديهم، فناسب أن يقطع ما استعانا به في ذلك.

﴿نكالا من اللَّه﴾ أي: تنكيلًا من اللَّه بهما على ارتكاب ذلك. ﴿واللَّه عزير﴾ أي: في انتقامه. ﴿حكيم﴾ أي [٥]: في أمره ونهيه، وشرعه وقدره.

ثم قال تعالى: ﴿فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن اللَّه يتوب عليه، إن اللَّه غفور رحيم﴾ أي: من تاب بعد سرقته وأناب إلى اللَّه، فإن اللَّه يتوب عليه فيما بينه وبينه، فأما أموال الناس فلابد من ردها اليهم أو بدلها عند الجمهور.

وقال أبو حنيفة: متى قطع وقد تلفت في يده فإنه لا يرد [] [٦] بدلها، وقد روى الحافظ أبو أحسن الدارقطني من حديث [محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان] [٧] عن أبي هريرة أن رسول اللَّه


[١]- في ز: "بغذاد".
[٢]- في ز: "فديت".
[٣]- في ز: "البيت الأول بعد البيت الثاني".
[٤]- في ز: "فإن".
[٥]- سقط من: ز.
[٦]- ما بين المعكوفتين في ز: "في".
[٧]- ما بين المعكوفتين سقط من: ز.