للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله تعالى: ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا﴾ أي: لا يحملنكم بغض قوم على ترك العدل فيهم؛ بل استعملوا العدل في كل أحد، صديقًا كان أو عدوًّا، ولهذا قال: ﴿اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ أي: عدلكم أقرب إِلى التقوى من تركه، ودل الفعل على المصدر الذي عاد الضمير عليه، كما في نظائره من القرآن وغيره، كما في قوله: ﴿وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ﴾.

وقوله: ﴿هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ من باب استعمال أفعل التفضيل في المحل الذي ليس في الجانب الآخر منه شيء، كما في قوله تعالى: ﴿أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا﴾ وكقول بعض الصحابيات لعمر: أنت أفظ وأغلظ من رسول الله (٢٥٧).

ثم قال تعالى: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ أي: وسيجزيكم على ما علم من أفعالكم التي عملتموها؛ إِن خيرًا فخير، وإِن شرًّا فشر، ولهذا قال بعده: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ﴾، أي: لذنوبهم، ﴿وَأَجْرٌ عَظِيمٌ﴾، وهو الجنة، التي هي من رحمته على عباده؛ لا ينالونها بأعمالهم، بل برحمة منه وفضل، وإِن كان سبب وصول الرحمة إِليهم أعمالهم، وهو تعالى الذي جعلها أسبابًا إِلى نيل رحمته وفضله وعفوه ورضوانه، فالكل منه وله، فله الحمد والمنة.

ثم قال: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾ وهذا من عدله تعالى وحكمته وحكمه الذي لا يجور فيه، بل هو الحكم العدل الحكيم القدير.

وقوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ﴾.

قال عبد الرزاق (٢٥٨): أخبرنا معمر، عن الزهري، ذكره عن أبي سلمة، عن جابر أن النبي


(٢٥٧) - رواه البخارى فى صحيحه فى كتاب بدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده، الحديث (٣٢٩٤) وفى فضائل أصحاب النبى ، باب مناقب عمر بن الخطاب، الحديث (٣٦٨٣)، وفى كتاب الأدب، باب: التبسم والضحك، الحديث (٦٠٨٥)، ومسلم فى صحيحه كتاب فضائل الصحابة، باب: من فضائل عمر ، الحديث (٢٣٩٦) من طريق محمَّد بن سعد بن أبى وقاص أن أباه سعدًا قال: استأذن عمر على رسول الله وعنده نساء من قريش يكلمنه ويستكثرنه فذكر قصة وفيها: ثم قال عمر: أى عدوات أنفسهن أتهبننى ولا تهبهن رسول الله ؟ قلن: نعم أنت أغلظ وأفظ من رسول الله .
(٢٥٨) - رواه فى تفسيره (١/ ١٨٥) ومن طريقه، رواه البخارى فى صحيحه فى المغازى، باب غزوة=