للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الشجر، فلم يعرض له أحد، فإذا [١] رجع تقلد قلادة من شعر، فلم يعرض له أحد، وكان المشرك يومئذ لا يصد عن البيت، فأمروا أن لا يقاتلوا في الشهر الحرام، ولا عند البيت، فنسخها قوله: ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾.

وقد اختار ابن جرير أن المراد بقوله: ﴿وَلَا الْقَلَائِدَ﴾، يعني: إِن تقلدوا [٢] قلادة من الحرم فأمّنوهم [٣]. قال: ولم تزل العرب تعير من أخفر ذلك. قال الشاعر:

ألم تقتلا الحرجين إِذ أعورا [٤] لكم … يمران بالأيدي اللحاء المضفرا

وقوله تعالى: ﴿وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا﴾ أي: إِذا فرغتم من إِحرامكم وأحللتم منه، فقد أبحنا لكنم ما كان محرمًا عليكم في حال الإحرام من الصيد، وهذا أمر بعد الحظر [٥]، والصحيح الذي بثبت [٦] على السَّبْر، أنه يرد الحكم إلى ما كان عليه قبل النهي، فإن كان واجبًا رده واجبًا، وإِن كان مستحبًّا فمستحبٍّ، أو مباحًا فمباح، ومن قال: إِنه على الوجوب ينتقض عليه بآيات كثيرة، ومن قال: إِنه للإِباحة يرد عليه آيات أخرى [٧]، والذي ينتظم الأدلة كلها هذا الذي ذكرناه، كما اختاره بعض علماء الأصول - والله أعلم.

وقوله: ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ (*) صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا﴾. ومن القراء من قرأ: ﴿أَنْ صَدُّوكُمْ﴾ بفتح الألف، من "أن"، ومعناها ظاهر، أي: لا يحملنكم بغض قوم [٨] قد كانوا صدوكم عن الوصول إلى المسجد الحرام، وذلك عام الحديبية، على أن تعتدوا حكم الله فيكم، فتقتصوا منهم ظلمًا وعدوانًا، بل احكموا بما أمركم الله به من العدل، في حق [٩] كل أحد، وهذه الآية كما سيأتي من قوله تعالى: ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾، أي: لا يحملنكم بغض أقوامٍ على ترك العدل؛ فإِن العدل واجب على كل أحد في كل أحد في


= في الجرح والتعديل (٨/ ٢٥٦) عن محمد بن كثير الصناني أنا معمر قال: جلست إلى قتادة وأنا ابن أربع عشرة سنة فما سمعت منه حديثًا إلا كأنه مُنْقَشٌ في صدري. اهـ.
والأثر ذكره السيوطي في الدر المنثور (٢/ ٤٥٠) وزاد نسبته إلى عبد بن حميد.
(*) - وهي قراءة أبي عمرو وابن كثير - على أنها شرطية.