للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الشَّهْرَ الْحَرَامَ﴾ يعنى لا تستحلوا قتالًا [١] فيه وكذا قال مقاتل بن حيان وعبد الكريم بن مالك الجزري، واختاره ابن جرير أيضًا (٢٢). و [٢] ذهب الجمهور إلى أن ذلك منسوخ، وأنه يجوز ابتداء القتال في الأشهر الحرم. واحتجوا بقوله تعالى: ﴿فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ﴾ قالوا: والمراد: أشهر التسيير الأربعة، ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ قالوا: فلم يستثن شهرًا حرامًا من غيره.

وقد حكى الإِمام أبو جعفر الإجماع على أن الله قد أحل قتال أهل الشرك في الأشهر الحرم وغيرها من شهور السنة، قال: وكذلك أجمعوا على أن المشرك لو قلد عنقه أو ذراعيه بلحاء [٣] جميع أشجار الحرم؛ لم يكن ذلك له أمانًا من القتل، إذا لم يكن تقدم له عقد ذمة من المسلمين، أو أمان. ولهذه المسألة بحث آخر له موضع أبسط من هذا.

وقوله تعالى: ﴿وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ﴾ يعني: لا تتركوا الإهداء إلى البيت الحرام [٤]، فإن فيه تعظيمًا لشعائر [٥] الله، ولا تتركوا تقليدها في أعناقها لتتميز به عما عداها من الأنعام، وليعلم أنها هدي إلى الكعبة فيجتنبها [٦] من يريدها بسوء، وتبعث من يراها على الإتيان بمثلها؛ فإن من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه، من غير أن ينقص من أجورهم شيء [٧]، ولهذا لما حج رسول الله بات بذي الحليفة، وهو وادي العقيق، فلما أصبح طاف على نسائه، وكن تسعًا، ثم اغتسل وتطيب وصلى ركعتين، ثم أشعر هديه وقلده، وأهل بالحج [٨] والعمرة، وكان هديه إبلا كثيرة، تنيف على الستين، من أحسن الأشكال والألوان، كما قال تعالى: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾.

و [٩] قال بعض السلف: إعظامها: استحسانها واستسمانها.

و [١٠] قال على بن أبي طالب: أمرنا رسول الله أن نستشرف العين والأذن. رواه أهل السنن.


(٢٢) - انظر جامع البيان (٩/ ٤٦٥).