للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن الله قد حكم بهذا، وهو الحكيم في جميع ما يأمر به وينهى عنه، ولهذا قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ﴾.

ثم قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ﴾ قال ابن عباس (١٨): يعني بذلك: مناسك الحج. و [١] قال مجاهد (١٩): الصفا والمروة، والهدي والبدن من شعائر الله.

وقيل: شعائر الله محارمه، أي: لا تحلوا محارم الله التي حرمها تعالى، ولهذا قال تعالى: ﴿وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ﴾، يعني بذلك تحريمه، والاعتراف بتعظيمه، وترك ما نهى الله عن تعاطيه فيه من الابتداء بالقتال، وتأكيد اجتناب المحارم، كما قال تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ﴾. وقال تعالى: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾. الآية.

وفي صحيح البخاري (٢٠)، عن أبي بكرة، أن رسول الله قال في حجة الوداع: "إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهرًا، منها أربعة حرم ثلاث متواليات: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان".

وهذا يدل على استمرار تحريمها إِلى آخر وقت، كما هو مذهب طائفة من السلف.

وقال على بن أبي طلحة، عن ابن عباس (٢١) في قوله تعالى: ﴿وَلَا


(١٨) - رواه ابن جرير (٩/ ٤٦٣) (١٠٩٤٠)
(١٩) - أخرجه ابن جرير (٩/ ٤٦٣) (١٠٩٤٢) من طريق عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد به. وعيسى هو ابن ميمون الجُرَشي المعروف بابن دراية قال الحافظ في التقريب (٥٣٣٤): ثقة.
(٢٠) - هو حديث أبي بكرة في خطة النبي يوم النحر، أخرجه البخاري: كتاب بدء الخلق، باب: ما جاء في سبع أرشين، الحديث (٣١٩٧)، وفي التفسير، باب: قوله: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ. . .﴾ الآية الحديث (٤٦٦٢)، وفي كتاب الأضاحي، باب من قال: الأضحى يوم النحر الحديث (٥٥٥٠)، في كتاب التوحيد، باب: قول الله تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ﴾ الآية الحديث (٧٤٤٧)، ومسلم (١٦٧٩) من حديث أي بكرة والحديث رواه البخاري أيضًا (٦٧، ١٠٥، ١٧٤١)، وليس فيه الجزء المذكور.
(٢١) - أخرجه ابن جرير الطبري (٩/ ٤٦٥) رقم ١٠٩٤٥) من طريق معاوية بن صالح عن علي عن ابن عباس، وفد تقدم الكلام على هذا الإسناد في سورة البقرة.