للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله: ﴿وهو خادعهم﴾ أي: هو الذي يستدرجهم فى طغيانهم وضلالهم، ويخذلهم عن الحق، والوصول إليه في الدنيا، وكذلك فى [١] القيامة، كما قال تعالى: ﴿يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ﴾ قوله: ﴿وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ وقد ورد فى الحديث (٨٧٢): " من سمَّع [٢]، سمع الله به ومن راءى راءى الله به". وفي [الحديث الآخر] [٣]: "إن الله يأمر بالعبد إلى الجنة فيما يبدو للناس، ويعدل به إلى النار". عياذًا بالله من ذلك!

وقوله: ﴿وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (١٤٢)﴾ الآية. هذه صفة المنافقين في أشرف الأعمال وأفضلها وخيرها وهي الصلاة، إذا قاموا إليها قاموا وهم كسالى عنها؛ لأنهم لا نية لهم فيها، ولا إيمان لهم بها ولا خشية، ولا يعقلون معناها، كما روى ابن مردويه (٨٧٣) من طريق عبيد الله بن زَحْر، عن خالد بن أبي عمران، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس؛ قال: يكره أن يقوم الرجل إلى الصلاة وهو كسلان، ولكن يقوم إليها طلق الوجه، عظيم الرغبة شديد الفرح، فإنه يناجي الله، كان الله أمامه [٤] يغفر له ويجيبه إذا دعاه، ثم يتلو ابن عباس هذه الآية: ﴿وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى﴾.

وروي من غير هذا الوجه، عن ابن عباس نحوه.

فقوله تعالى: ﴿وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى﴾ هذه صفة ظواهرهم، كما قال: ﴿وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى﴾ ثم ذكر تعالى صفة بواطنهم الفاسدة، فقال:


(٨٧٢) - رواه البخارى، كتاب: الرقاق، باب: الرياء والسمعة (٦٤٩٩) ومسلم، كتاب: الزهد والرقائق، باب: من أشرك فى عمله غير الله (٤٨) (٢٩٨٦) من حديث جندب بن عبد الله، ورواه مسلم أيضًا (٤٧) (٢٩٨٦) من حديث ابن عباس.
(٨٧٣) - لم أجده معزوًّا لابن مردويه فى غير هذا الموطن، وإسناده حسن، وقد رواه ابن أبى حاتم (٤/ ٦١٣٩)، وابن أبى الدنيا فى "الصمت" (رقم: ٣٦٧) من طريقين عن مسعر بن كدام عن سماك الحنفى عن اليمن عباس أنه كان يكره أن يقول الرجل: إنى كسلان ويتأول هذه الآية. وهذا إسناد حسن.
والخبر ذكره السيوطى فى "الدر المنثور" (٢/ ٤١٧) وزاد عزوه إلى ابن المنذر.