للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وثبت في الصحيحين (٦٩٨) خبر الإسرائيلي الذي قتل مائة نفس، ثم سأل عالمًا: هل لي من توبة؟ فقال: ومن يحول بينك وبين التوبة؟ ثم أرشده إلى بلد يعبد الله فيه، فهاجر إليه، فمات في الطريق، فقبضته ملائكة الرحمة كما ذكرناه غير مرة، وإن كان هذا في بني إسرائيل، فلأن يكون في هذه الأمّة التوبة مقبولة بطريق الأولى والأحرى؛ لأنَّا [١] وُضع عنا الآصار والأغلال التي كانت عليهم، وبعث نبينا بالحنيفية السمحة. فأما الآية الكريمة، وهي قوله تعالى: ﴿ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنم خالدًا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابًا عظيمًا﴾؛ فقد قال أبو هريرة وجماعة من السلف: هذا جزاؤه إن جازاه، وقد رواه ابن مردويه بإسناده [٢] مرفوعًا، من طريق محمد بن جامع العطار، عن العلاء بن ميمون العنبري، عن حجاج الأسود، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة مرفوعًا (٦٩٩)، ولكن لا يصح، ومعنى هذه الصيغة: أن هذا جزاؤه إن جوزي عليه، وكذا كل وعيد على ذنب، لكن قد يكون ذلك [٣] معارضًا من أعمال صالحة، تمنع وصول ذلك الجزاء إليه، على قولي أصحاب الموازنة أو الإحباط، وهذا أحسن ما يسلك [٤] في باب الوعيد، والله أعلم بالصواب، وبتقدير دخول القاتل في [٥] النار، إما على قول ابن عباس ومن وافقه أنه لا توبة له، أو على قول الجمهور حيث لا عمل له صالحًا ينجو به، فليس يخلد فيها أبدًا، بل الخلود هو المكث الطويل، وقد تواردت الأحاديث عن رسول الله، (٧٠٠): " أنه يخرج من النار من كان في قلبه أدنى مثقال [٦] ذرة من إيمان". وأما


(٦٩٨) - أخرجه البخارى، كتاب: الأنبياء (٣٤٧٠)، ومسلم: كتاب: التوبة، باب: قبول توبة القاتل وإن كثر قتله (٤٨٤٦) (٢٧٦٦).
(٦٩٩) - ورواه ابن أبي حاتم في تفسيره (٣/ ٥٨١٩)، والعقيلى في "الضعفاء" (٣/ ٣٤٦)، والطبراني في "المعجم الأوسط" (٨/ ٨٦٠٦)، وأبو نعيم في "الحلية" (٢/ ٢٨٠، ٢٨١) وفى إسناده تصحيف يصحح - كلهم من طريق محمد بن جامع به. وقال الطبرانى: "لم يرو هذا الحديث عن محمد بن سيرين إلا حجاج بن الأسود، ولا رواه عن الحجاج إلا العلاء بن ميمون، تفرَّد به محمد بن جامع" وهو ضعيف، ضعفه أبو يعلى وأبو حاتم وابن عدى، وقال: "لا يتابع على أحاديثه"، وتركه ابن عبد البر - راجع "لسان الميزان" (٥ / ت ٧١٨٦) - وبه أعله الهيثمى في "المجمع" (٧/ ١١) وشيخه - العلاء بن ميمون - استنكر له العقيلى هذا الحديث، وقال: "لا يتابع على حديثه، ولا يعرف إلا به"، وضعف إسناده السيوطى في "الدر المنثور" (٢/ ٣٥٢) وعزاه إلى ابن أبي حاتم، والطبراني، وأبي القاسم ابن بشران.
(٧٠٠) - انظر ما تقدم تخرجه (رقم: ٤٣١).