للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد روي عن ابن عباس (٦٦٧) أنه قال: نسخها قوله: ﴿فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ الآية.

وقوله: ﴿أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ﴾ الآية، هؤلاء قوم آخرون من المستثنين من [١] الأمر بقتالهم، وهم الذين يجيئون إلى المصاف، وهم حصرة صدورهم أي: ضيقة صدورهم، مبغضين أن يقاتلوكم، ولا يهون عليهم أيضًا أن يقاتلوا قومهم معكم، بل هم لا لكم ولا عليكم. ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ﴾ أي: من لطفه بكم أن كفهم عنكم، ﴿فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ﴾، أي: المسالمة؛ ﴿فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا﴾ أي: فليس لكم أن تقاتلوهم [٢] ما دامت حالهم كذلك وهؤلاء كالجماعة الذين خرجوا يوم بدر من بني هاشم مع المشركين، فحضروا القتال وهم كارهون، كالعباس ونحوه، ولهذا نهى النبي، ، يومئذ عن قتل العباس، وأمر بأسره (٦٦٨).

وقوله: ﴿سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا﴾، هؤلاء في الصورة الظاهرة كمن [٣] تقدمهم، ولكن نية هؤلاء غير نية أولئك؛ فإن هؤلاء توم [٤] منافقون، يظهرون للنبي، ، ولأصحابه الإسلام ليأمنوا بذلك عندهم على دمائهم وأموالهم وذراريهم، ويصانعون الكفار في الباطن، فيعبدون معهم ما يعبدون، ليأمنوا بذلك عندهم، وهم في الباطن مع أولئك، كما قال تعالى: ﴿وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ﴾، وقال هاهنا: ﴿كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا﴾ أي: انهمكوا فيها.

وقال السدي: الفتنة هاهنا الشك [٥]. وحكى ابن جرير، عن مجاهد، أنها نزلت في قوم من أهل مكة، كانوا يأتون النبي، ، فيسلمون رياءً، ثم يرجعون إلى قريش، فيرتكسون في الأوثان، يبتغون بذلك أن يأمنوا هاهنا وهاهنا، فأمر بقتلهم [٦] إن لم يعتزلوا ويصلحوا، ولهذا قال تعالى: ﴿فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ﴾،


(٦٦٧) - رواه ابن أبى حاتم (٣/ ٥٧٥٦) بإسناد فيه ضعف وانقطاع.
(٦٦٨) - انظر تخريجه في الرحيق المختوم بتحقيقنا.