ثم قال تعالى: ﴿وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا﴾ أي: ولا يترك لأحد من الأجر ما يوازن مقدار الفتيل.
قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة وعطاء والحسن وقتادة وغير واحد من السلف: هو ما يكون في شق النواة.
وعن ابن عباس أيضًا: هو ما فتلت بين أصابعك. وكلا القولين متقارب.
وقوله: ﴿انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ﴾ أي: في تزكيتهم أنفسهم، ودعواهم أنهم أبناء الله وأحباؤه، وقولهم: ﴿لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى﴾ وقولهم: ﴿لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ﴾ واتكالهم على أعمال آبائهم الصالحة، وقد حكم الله أن أعمال [١] الآباء لا تجزي [٢] عن الأبناء شيئًا، في قوله: ﴿تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.
ثم قال: ﴿وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا﴾ أي: وكفى بصنيعهم [٣] هذا كذبًا وافتراء ظاهرًا.
وقوله: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ﴾ أما "الجبت"، فقال [محمد بن إسحاق](٥٤٥)، عن حسان بن فائد، عن عمر بن الخطاب، أنه قال:"الجبت" السحر، و "الطاغوت" الشيطان.
وهكذا روي عن ابن عباس وأبي العالية ومجاهد: عطاء وعكرمة وسعيد بن جبير والشعبي والحسن والضحاك والسدي.
(٥٤٥) - كذا وقع هنا "محمد بن إسحاق" وهو وهم أو خطأ من الناسخ، فالحبر معروف من رواية أبى إسحاق وقد ذكره المصنف بالصواب فيما تقدم سورة البقرة/ آية ٢٥٦. وأخرجه أيضًا ابن جرير (٥/ ٥٨٣٤. ٥٨٣٥)، (٨/ ٩٧٦٦، ٩٧٦٧)، وابن أبى حاتم (٣/ ٥٤٤٣، ٥٤٤٩) وابن حجر فى "تغليق التعليق" (٤/ ١٩٦) من طرق عن أبى إسحاق به. وعلقه البخارى فى صحيحه، كتاب التفسير، سورة النساء، باب: رقم (١٠) عن عمر قال … فذكره. قال الحافظ فى "الفتح" (٨/ ٢٥٢): "وصله عبد بن حميد فى تفسيره، ومسدد فى مسنده، وعبد الرحمن بن رُسْتَه فى "كتاب الإيمان" كلهم من طريق أبى إسحاق عن حسان بن قائد عن عمر مثله، وإسناده قوى، وقد وقع التصريح بسماع أبى إسحاق له من حسان، وسماع حسان من عمر فى رواية رسته، وحسان بن فائد بالفاء عبسى بالموحدة، قال أبو حاتم: شيخ وذكره ابن حبان فى "الثقات".