للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واعلمْ أنَّ حمل التكليف صعب، ولا أسهلَ على أهل الخلاعة من مفارقة الجماعة، ولا أصعب عليهم من حَجْرٍ ومَنع صدر عن أوامر الشرع ونواهيه.

وما على الشريعةِ أَضَرُّ مِن المتكلِّمينَ والمتصَوِّفينَ، فهؤلاءِ يُفْسِدونَ العقائِدَ بتوهيماتِ شُبُهاتِ العقولِ، وهؤلاءِ يُفسِدونَ الأعمالَ، ويهدِمونَ قوانينَ الأديانِ، يُحِبُّونَ البطالاتِ وسماعَ الأصواتِ.

وما كانَ السَّلَفُ كذلك، بل كانوا في بابِ العقائِدِ عَبيدَ تسليمٍ، وفي البابِ الآخرِ أَربابَ جَدٍّ.

فنصيحَتي إِلى إِخواني أَنْ لا يقْرَعَ أَفكارَ قلوبِهِم كلامُ المتكلِّمينَ، ولا تَصْغَي مسامعهم إِلى خُرافاتِ المتصوِّفينَ، بل الشُغْلُ بالمعاشِ أَولى مِن بطالةِ الصوفيَّةِ، والوقوفُ على الظَّواهِرِ أَحْسَنُ مِن تَوَغُّلِ المُنْتَحِلَةِ (١).

وقد خَبَرْتُ طريقةَ الفريقينِ، فغايةُ هؤلاءِ الشكُّ، وغايةُ هؤلاءِ الشَّطْحُ!

قالَ ابنُ عقيلٍ: والمتكَلِّمونَ عندي خيرٌ مِن الصوفيَّةِ؛ لأنَّ المتكلِّمينَ قد يُزيلونَ الشَّكَّ (٢)، والمتصوفة يوهِمونَ التشبيهَ، وأَكثرُ كلامِهِم يُشيرُ إِلى إِسقاطِ السِّفارة والنبوَّاتِ.


(١) جاء في الدرء ٨/ ٦٦: المنتحلة للكلام.
(٢) جاء في الدرء ٨/ ٦٦: لأن المتكلمين مرادهم مع التحقيق مزيد الشكوك في بعض الأشخاص. وعلى ما ذكر المؤلف عن ابن عقيل : أن المتكلِّمينَ قد يُزيلونَ الشَّكَّ. فهذا كلام لا يستقيم؛ إذ إن قلوب المتكلمين أنفسهم مليئة بالشك كما اعترفوا بذلك في آخر حياتهم وأكثر الناس شكًا هم أهل الكلام فكيف يزيلون الشك عن غيرهم؟ يقول إمامهم الرازي: لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيتها تشفي عليلًا ولا تروي غليلًا ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن. انظر لمزيد بيان: مختصر الصواعق ١/ ١٦٦، ٢/ ٦٦٥، ٧٤٢ وبيان تلبيس الجهمية ١/ ١٢٨ والنبوات ص ١١٧ والعقود الدرية ص ٩٠.

<<  <   >  >>