للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فمَلَكوا بهذه الخرافاتِ قلوبَ الأغمارِ (١)، وأُنفِقَتْ عليهِم لأجْلِها الأموالُ؛ لأنَّ الفقهاءَ كالأطِّباءِ، والنفقةُ في ثمَنِ الدَّواءِ صعبةٌ والنفقةُ على هؤلاءِ كالنفقةِ على المغنياتِ.

وبغضهم للفقهاءِ أَكبرُ الزَّندقةِ؛ لأنَّ الفُقهاءِ يَحْصُرونَهُم بفتاويهم عن ضلالِهم وفِسْقِهم، والحَقُّ ثقيلٌ كما تثقُلُ الزَّكاةُ، وتخف أجور المُغَنِّياتِ، وإِعطاء الشُّعراءِ على المدائحِ!

وكذلك بغضهم لأصحاب الحديث، وقد أبدلوا إزالةَ العقل بالخمر بشيء سموه السماع والوجد، والتعرض بالوجد المزيل للعقل حرام.

كفى اللهُ الشريعةَ شرَّ هذه الطائفةِ الجامعَةِ بينَ دَهْمَثَةٍ (٢) في اللبسِ، وطيبةٍ في العيشِ، وخِداعٍ بأَلفاظٍ معسولَةٍ، ليس تحتَها سوى إِهمالِ التكليفِ، وهُجْرانِ الشرعِ؛ ولذلك خَفُّوا على القُلوبِ، ولا دِلالةَ على أَنَّهُم أَربابُ باطلٍ أَوضحُ مِن محبَّةِ طِباعِ أَربَابِ الدُّنيا لهُم؛ كمحبَّتِهِم أَربَابَ اللهْوِ والمُغنِّياتِ.

قال ابن عقيل: فإن قال قائل: هم أَربَابُ نظافة ومحاريب وحُسْنِ أَخلاقٍ. قال: فقلت: لو لم يضعوا طريقة يجتذبون بها قلوبَ أمثالكم لم يَدُمْ لهم عَيْشٌ، والذي وصفتهم به رهبانية النصرانية، ولو رأيت نظافة أهل التطفيل على الموائد ومخانيث بغداد ودماثة المغنيات لعلمت أن طريقتهم طريقة الفُكَاهَةِ والخداع، وهل يُخْدَعُ الناسُ إلا بطريقةٍ أو لسان؟! فإذا لم يكن للقوم قدم في العلم ولا طريقة فَبِمَاذا يجتذبون قلوبَ أرباب الأموال.


(١) الأَغْمارُ جمع غُمْر، بالضم: وهو الجاهل الغِرُّ الذي لم يجرِّب الأُمور. انظر: الغريب لأبي عبيد ١/ ٢٤٩ واللسان ٥/ ٣٢.
(٢) الدُّهْمُوث: الكريم. ولعل المراد هنا أنهم يلبسون ملابس فاخرة كريمة فالكريم من الشيء أفخره وأفضله. انظر: اللسان ٢/ ١٤٩ ومعجم متن اللغة ٢/ ٤٦٦.

<<  <   >  >>