للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بيده رغيفًا وعرقًا، وخرج بلا رداء ولا قلنسوة ولا نعل ولا خف، فجعل يمشي في الأسواق ويأكل، فقيل للوليد: إن يزيد قد اختلط، وأخبر بما فعل؛ فتركه (١).

[فصل]

ومن الزهاد من يستعمل الزهد ظاهرًا وباطنًا، لكنه قد علم أنه لابد أن يتحدث بتركه الدنيا أصحابه أو زوجته، فيهون عليه الصبر، كما هان على الراهب الذي ذكرنا قصته مع ابن أدهم (٢)، فلو أنه أراد الإخلاص في زهده لأكل مع أهله قدر ما ينمحي به جاه النفس ويقطع الحديث عنه، فقد كان داود بن أبي هند صام عشرين سنة ولم يعلم به أهله، كان يأخذ غداءه ويخرج إلى السوق فيتصدق به في الطريق، فأهل السوق يظنون أنه قد أكل في البيت، وأهل البيت يظنون أنه قد أكل في السوق (٣)، هكذا كان الناس!

[فصل]

ومن المتزهدين من قُوتُهُ الانقطاع في مسجد أو رباط أو جبل، فلذته علم الناس بانفراده، وربما احتج لانقطاعه: بأني أخاف أن أَرَى في خروجي المنكرات.

وله في ذلك مقاصد:

° منها: الكبر واحتقار الناس.

° ومنها: أنه يخاف أن يقصروا في خدمته.


(١) أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (٥/ ١٦٥)، وذكر هذه القصة المزي في "تهذيب الكمال" (٣٢/ ٢٤٠)، والذهبي في تاريخ الإسلام وفيات (١٠١، ١٠٢) (ص ٢٨٢) باختصار.
(٢) انظر: (ص ٣٩٢).
(٣) أخرجه أبو نعيم في الحلية (٣/ ٩٣ - ٩٤)، ومن طريقه ابن الجوزي في المنتظم (٨/ ٢٥)، وذكره ابن الجوزي في صفة الصفوة (٢/ ١٨٢)، والذهبي في تاريخ الإسلام وفيات ١٢١ - ١٤٠ (ص ٤١٥).

<<  <   >  >>