للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال المصنِّفُ : قلت: وهذِهِ جُرأةٌ عظيمةٌ في إضافةِ المكرِ إلى الله ﷿، وجعلِ الجنة التي هي نِهايةُ المطالِب وبالًا! وإذا كانت وَبالًا للعارِفِين، فكيفَ تكون لغَيرِهم؟! وكلُّ هذا مَنبَعُه مِن قلَّةِ العلمِ وسوءِ الفهم.

أخبَرنا ابن حبيبٍ، قال: أخبَرنا ابن أبي صادقٍ قال: أنا ابنُ باكويه، قال: نا أبو الفَرجِ الوَرثانِي، قال: نا أحمدُ بنُ الحسَنِ بنُ محمدٍّ، قال: حدَّثني محمدُ بن جعفرٍ الورَّاق، قال: نا أحمدُ بن العبَّاس المهلَّبِي، قال: سمعتُ طيفورَ وهو أبو يزيدَ يقول: العارفونَ في زيارةِ الله تعالى فِي الآخِرة على طَبَقتَين: طبقةٌ تَزورُهُ متى شاءت وأنَّى شاءت، وطبقةٌ تزورُهُ مرَّةً واحدةً ثمَّ لا تزورُهُ بعدَها أبَدًا. فقيل له: كيفَ ذلك؟ قال: إذا رآهُ العارِفونَ أوَّل مرَّةٍ جعلَ لهُم سُوقًا ما فيها شِراءٌ ولا بَيعٌ إلَّا الصُّور مِن الرِّجالِ والنِّسَاء، فمَن دخلَ منهم السُّوقَ لَم يرجِع إلى زيارةِ اللهِ أبدًا! قال: وقال أبو يزيدَ: في الدُّنيا يخدعُكَ بالسُّوقِ، وفي الآخِرةِ يخدعُكَ بالسُّوق، فأنتَ أبدًا عبدُ السُّوق (١)!

قال المصنِّفُ قلت: تسمِيةُ ثوابِ الجنة خدِيعةً وسبَبًا للانقِطاعِ عن الله ﷿ جهلٌ قبيحٌ، وإنما يُجعَلُ لهُم السُّوقَ ثَوابًا لا خدِيعةً، فإذا أذِنَ لهم فِي أخذِ ما فِي السُّوق ثمَّ عوقِبوا بِمنعِ الزِّيارة صارَت المثوبةُ عُقُوبةً، ومن أينَ لهُ أنَّ مَن اختارَ شيئًا مِن تلكَ السُّوقِ لم يعُد إلى زيارةِ اللهِ ولا يراهُ أبدًا؟! نعوذُ باللهِ مِن هذا التخلِيطِ والتحكُّمِ في العِلمِ، والإخبارِ عن هذهِ الغائباتِ التي لا يعلمُها إلَّا نبيٌّ، فمِن أينَ لهُ عِلمُها؟ وكيف يكون كما قال؟!

وأبو هُريرةَ راوِي الحديثِ يقول لسعيدِ بنِ المسيِّب: جمَعنِي اللهُ وإياكَ في سُوقِ الجنَّة (٢). أفَتراه طلبَ العُقوبةَ بالبُعدِ عن الله ﷿؟! لكِن بُعدُ هؤلاءِ عن العِلم


(١) لم أجد من أخرجه وفي كتاب النور من أخبار أبي طيفور لأبي الفضل السهلكي أخبار نحو هذا.
(٢) أخرجه الترمذي رقم (٢٥٤٩) وقال: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وأخرجه ابن ماجه رقم (٤٣٣٦) والعقيلي في الضعفاء ٣/ ٤١ والحديث ضعيف؛ إذ جميع طرقه لا تسلم من مقال. وانظر: =

<<  <   >  >>