للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عَمرو بنُ عثمانَ المكِّي، فوقَعَ عليهِ البولُ ولَم يكُن من عادتهِ، فقامَ وخرجَ إلى صَحنِ الدَّار، فإذا لَيلةٌ مُقمِرَةٌ، فوجَدَ قِطعةَ رقٍّ، فأخَذَه وحَملهُ إليهم، وقال: يا قَوم اسكُنوا، فإنَّ هذا جوابُكُم، انظُروا ما فِي هذه الرِّسَالة، فإذا فِيها مكتوبٌ: مكَّار، وكلُّكُم تدَّعون حُبَّه، فأحرَم البعضُ وافتَرقوا، فما جَمعهُم إلَّا الموسِم (١).

قال المصنِّفُ قلت: هذه الحكايةُ بعيدةُ الصِّحَّة، وابن خفيفٍ لا يوثَق به، وإن صحَّت فإنَّ شيطانًا ألقى ذلك الرق، وإن كانُوا قد ظنُّوا أنَّها رسالةٌ مِن الله بظُنونِهمِ الفاسِدة، وقد بيَّنا أنَّ معنى المكرِ منهُ المجازاةُ علَى المكرِ، فأمَّا أن يُقالَ عنه مكَّارٌ فَفوقَ الجهلِ وفوقَ الحماقةِ!

وقد أخبَرنا ابن ظفرٍ، قال: أخبرنا ابنُ السَّراج، قال: أنا الأزجِيُّ، قال: حدَّثنا ابن جهضمٌ، قال: نا الخُلدِيُّ، قال: سمعتُ رُويمًا يقول: إنَّ اللهَ غيَّب أشياءَ في أشياءَ: غيَّب مكرَهُ في علمِه، وغيَّبَ خِداعَهُ في لُطفِه، وغيَّب عقوباتِه في بابِ كراماتِه (٢).

قال المصنِّفُ: قلت: وهذا تخلِيطٌ مِن ذلك الجِنس وجُرأة!

وقد أخبَرنا محمدُ بن ناصرٍ، قال: أنبأنا أبو الفضلِ السَّهلكِي، قال: سمعتُ محمدَ بن إبراهيم يقول: سمعتُ خالِي يقول: قال الحسنُ بنُ علُّويه: خرَجَ أبو يزيدَ لزيارةِ أخٍ له بِبَلخ، فلمَّا وصل إلى نَهرِ جِيحُون التقى لهُ حافَّتا النَّهر فقال: سيِّدِي! إيش هذا المكرِ الخفِي؟! وعِزَّتِك ما عبدتكَ لِهذا. ثم رجعَ ولَم يعبُر.

قال السَّهلكِي: وسمعتُ محمدَ بن أحمد المذكِّر يذكر أنَّ أبا يزيدَ قال: من عرَفَ اللهَ ﷿ صار للجنَّةِ ثوابًا، وصارت الجنَّة عليهِ وبالًا (٣).


(١) أخرج أبو عبد الرحمن السُلمي آثارًا نحو ذلك عن رويم في المحبة. انظر طبقات الصوفية ص ١٨٤.
(٢) أخرجه أبو عبد الرحمن السُلمي في طبقات الصوفية ص ١٨٢ من طريق محمد بن شاذان عن رويم به.
(٣) أخرجه السهلكي في النور من كلمات أبي طيفور ص ١٨٥.

<<  <   >  >>