للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد أجابَ أبو الطَّيِّب الطبري عن هذا الحديث بجوابٍ آخَرَ فأخبرنا أبو القاسم الحريري عنه أنه قال: هذا الحديثُ حُجَّتُنا؛ لأن أبا بكرٍ سمَّى ذلك مزمورَ الشيطان ولم يُنْكِر النبيُّ على أبي بكر قولَهُ وإنما منَعَه من التغليظ في الإنكار لحسن رفقِه لا سيَّما في يوم العيد.

وقد كانت عائشة صغيرةً في ذلك الوقتِ ولم يُنْقَل عنها بعد بلوغِها وتحصيلها إلا ذَمُّ الغناء، وقد كان ابن أخيها القاسم بن محمد يَذُمُّ الغناءَ ويمنَعُ من سماعه وقد أخَذَ العلمَ عنها (١).

وأما اللهوُ الذكورُ في الحديث الآخر فليس بصريح في الغناء، فيجوزُ أن يكون إنشادَ الشعر أو غيره.

• وأما التشبيهُ بالاستماع إلى القَيْنَةِ فلا يمنع أن يكون المُشَبَّه به حرامًا، فإن الإنسان لو قال: وجدت للعسل لذَّةً أكثرَ من لذة الخمر كان كلامًا صحيحًا وإنما وقع التشبيه بالإصغاء في الحالتين فكونُ إحداهما حرامًا أو حلالًا لا يمنع من التشبيه، وقد قال : "إنكم لترَوْنَ ربَّكُمْ كما ترَوْنَ القمر" (٢).

فشبَّهَ إيضاح الرؤية بإيضاح الرؤية وإن وقع الفرقُ بأن القمرَ في جهةٍ يحيط به نَظَرُ النَّاظرِ والحقُّ منزَّهٌ عن ذلك (٣).


(١) انظر: السماع لأبي الطيب الطبري ص ٥٣. وتقدم النقل عن ابن أخيها القاسم بن محمد في ذم الغناء. (ص ٥٣٣).
(٢) أخرجه البخاري رقم (٥٥٤)، ورقم (٧٤٣٤، ٧٤٣٥، ٧٤٣٦)، ومسلم رقم (٦٣٣)، وأبو داود رقم (٤٧٢٩)، والترمذي رقم (٢٥٥١)، والإمام أحمد في السند ٤/ ٣٦٠، وغيرهم.
(٣) لا شك أن الله جل وعلا منزه أن يحيط به أحد من خلقه أما لفظ "الجهة" فلم يرد في الكتاب والسنة إثباتًا ولا نفيًا ويغني عنه ما ثبت فيهما من الفوقية والعلو وأنه سبحانه في السماء هذا من جهة اللفظ، أما من جهة المعنى فيستفصل: فإما أن يُرَاد به جهة سفل أو جهة علو تحيط بالله أو جهة علو لا تحيط بالله. =

<<  <   >  >>