للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أبا بكر بن المثاقف يقول: سألت الجنيد بن محمد عن التصوف؟ فقال: الخروج عن كل خلق رديء، والدخول في كل خلق سَنِيٍّ (١).

أخبرنا ابن ناصر، قال: أنبأنا أحمد بن علي بن خلف، قال: نا أبو عبد الرحمن السلمي، قال: حدثنا عبد الواحد بن بكر، قال: سمعت محمد بن خفيف يقول: قال رويم: "كل الخلق قعدوا على الرسوم، وقعدت هذه الطائفة على الحقائق، وطَالَبَ الخلق كلهم أنفسهم بظواهر الشرع، وطالبوا هم أنفسهم بحقيقة الورع ومداومة الصدق" (٢).

قال المصنف: قلت: وعلى هذا كان أوائل القوم، فلبس إبليس عليهم في أشياء، ثم لبس على من بعدهم من تابعيهم، وكلما مضى قرن زاد طمعه في القرن الثاني، فزاد تلبيسه عليهم إلى أن تمكن من المتأخرين غاية التمكن!

وكان أصل تلبيسه عليهم أنه صدهم عن العلم وأراهم أن المقصود العمل، فلما أطفأ مصباح العلم عندهم تخبطوا في الظلمات، فمنهم من أراه أن المقصود ترك الدنيا في الجملة فرفضوا ما يصلح أبدانهم، وشبهوا المال بالعقارب، ونسوا أنه خلق للمصالح، وبالغوا في الحمل على النفوس حتى إنه كان فيهم من لا يضطجع، وهؤلاء كانت مقاصدهم حسنة غير أنهم على غير الجادة، وفيهم من كان لقلة علمه يعمل بما يقع إليه من الأحاديث الموضوعة وهو لا يدري.

ثم جاء أقوام فتكلموا لهم في الجوع والفقر والوساوس والخطرات وصنفوا في ذلك مثل الحارث المحاسبي.


(١) أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (١/ ٢٢)، وأخرجه السبكي في "طبقات الشافعية" (٢/ ٢٧١).
(٢) أخرجه السلمي في "طبقات الصوفية" (ص ١٨٢).

<<  <   >  >>