للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال حاتم: يا سبحان الله! أنا في كف ماء أسرفت، وأنت في جميع هذا الذي أراه كله لم تسرف! فعلم الطنافسي أنه أراده بذلك، فدخل البيت ولم يخرج إلى الناس أربعين يومًا.

وخرج حاتم إلى الحجاز، فلما صار إلى المدينة أحب أن يخاصم علماء المدينة، فلما دخل المدينة قال: يا قوم أي مدينة هذه؟ قالوا: مدينة الرسول ! قال: فأين قصر رسول الله حتى أذهب إليه فأصلي فيه ركعتين؟ قالوا: ما كان لرسول الله قصر، إنما كان له بيت لاط (١).

قال: فأين قصور أهله وقصور أصحابه وأزواجه؟ قالوا: ما كان لهم قصور إنما كانت لهم بيوت لاطئة. قال حاتم: يا قوم، فهذه مدينة فرعون! قال: فلببوه وذهبوا به إلى الوالي، فقالوا: هذا العجمي يقول: هذه مدينة فرعون. فقال الوالي: لم قلت ذلك؟

قال حاتم: لا تعجل عليَّ أيها الأمير، أنا رجل غريب دخلت هذه المدينة، فسألت أي مدينة هي؟ قالوا: مدينة الرسول ، فقلت: وأين قصر رسول الله وقصور أصحابه؟ قالوا: إنما كانت لهم بيوت لاطئة، وسمعت الله ﷿ يقول: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ [الأحزاب: ٢١]، فأنتم بمن تأسيتم بمحمد أو بفرعون (٢)؟!

قال المصنف: قلت: الويل للعلماء من الزاهد الجاهل الذي يقنع بعلمه فيرى الفضل فرضًا! فإن الذي أنكره مباح، والمباح مأذون فيه، الشرع لا يأذن في شيء ثم يعاتب عليه، فما أقبح الجهل!


(١) بيت لاط: أي من طين، وهو ملتصق بالأرض. انظر: القاموس المحيط، تاج العروس (لوط).
(٢) أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (٨/ ٨٠ - ٨٣)، وذكره الذهبي في "السير" (١١/ ٤٨٦) مختصر جدًّا.

<<  <   >  >>