ﷺ قال: ورسول الله ﷺ من أين جاء له؟ قال: عن جبريل ﵇ عن الله سبحانه عزَّ اسمُهُ. قال حاتم: ففيم أدَّاه جبريل عن الله ﷿ إلى النبي ﷺ، وأدَّاه النبي ﷺ إلى أصحابه، وأدَّاه أصحابه إلى تابعيهم، وأدَّاه التابعون إلى الأئمة، وأدَّاه الأئمة إلى الثقات، وأدَّاه الثقات إليك؟ هل سمعت في هذا العلم: من كانت داره في الدنيا أحسن وفراشه ألين ورتبته أكبر كان له المنزلة عند الله ﷿ أكثر؟ قال: لا. قال: وكيف سمعت؟ قال: سمعت من زهد في الدنيا، ورغب في الآخرة، وأحب المساكين، وقدَّم لآخرته كان عند الله ﷿ له المنزلة أكثر، وإليه أقرب.
قال حاتم: فأنت بمن اقتديت؟ بالنبي ﷺ وبأصحابه وبالتابعين من بعدهم، وبالصالحين على أثرهم، أو بفرعون ونمرود أول من بنى بالجص والآجر؟ يا علماء السوء! إن الجاهل المتكالب على الدنيا الراغب فيها يقول: هذا العَالِم على هذه الحالة ألا أكون أنا.
قال: فخرج من عنده وازداد محمد بن مقاتل مرضًا، وبلغ أهل الري ما جرى بين حاتم وابن مقاتل، فقالوا لحاتم: إن محمد بن عبيد الطنافسي بقزوين أكثر شيئًا من هذا!
فصار إليه فدخل وعنده الخلق يحدثهم، فقال له: رحمك الله، أنا رجل أعجمي جئتك لتعلمني مبتدأ ديني، ومفتاح صلاتي كيف أتوضأ للصلاة؟ فقال: نعم وكرامة! يا غلام، ائت بإناء فيه ماء، فجاءه بإناء فيه ماء، فقعد محمد بن عبيد فتوضأ ثلاثًا ثم قال له: هكذا فتوضأ. قال حاتم: مكانك -رحمك الله- حتى أتوضأ بين يديك؛ ليكون آكد لما أريد، فقام الطنافسي وقعد حاتم مكانه فتوضأ وغسل وجهه ثلاثًا، حتى إذا بلغ الذراع غسل أربعًا، فقال الطنافسي: أسرفت، قال: حاتم: فيماذا أسرفت؟ قال: غسلت ذراعك أربعًا.